رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سداد الديون.. مشروع مصر القومي


لا يشعر المرء براحة أو طمأنينة في كل مرة يصدر البنك المركزي تقريرًا حول الديون الداخلية أو الخارجية.. وخاصة عندما يقول إننا في منطقة الأمان والحدود الآمنة.. ووفقًا للمعايير العالمية لتهدئة القلق العام من ازدياد الديون بصورة لافتة خلال السنوات الأربع الماضية.. بالرغم من أن المديونية هي أحد أمراض الاقتصاد المزمن إلا أن الوضع تطور من مشكلة إلى أزمة ثم إلى أزمة مستفحلة تنذر بمخاطر عديدة.. وتعيد للأذهان ماضيًا تعيسًا أيام الخديو سعيد وإسماعيل، والتي كانت مدخلا للتدخل الأجنبي المباشر في مصر..


وذلك بعد أن أصبحنا نستدين شهريًا نحو ملياري دولار لتغطية العجز بصورة لم تحدث أبدًا في تاريخ هذا البلد.. وهو ما يؤدي لتنامي الديون عامًا بعد الآخر.. وبالتالي تزداد تكلفته وأعباؤه وتصاعد عجز الموازنة إلى جانب تدني كفاءة توظيف القروض بتمويل مشروعات إنتاجية تسهم في رفع مستويات النمو بمعدلات تمكنها بشكل آمن من تحمل تكلفة الديون وأعبائها..

وفي كل الأحوال فإن الجهد الذي تبذله الحكومة في تبرير الحدود الآمنة لو أنفقته على معايير الرشـد في إدارة الدين العام سيكون أجدى من الهلفطة الاقتصادية الراهنة.. واللجوء إلى الطرق السهلة في العبث بمنظومة الدعم وتحميل الفقراء آثار عجز الموازنة وأعباء الديون.. بالرهان على التأييد الشعبي.. وصبر الناس.. ذلك أن تحمل الناس لن يستمر للأبد لأن المعايير العالمية التي تحتكم إليها الحكومة كحدود آمنة تشير إلى أنه لا يجب أن يزيد نصيب الفرد من الدين العام على ٥٠٪‏ من متوسط دخله في السنة..

عكس ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية التي انفتحت فيها شهية الحكومة للاستدانة.. ليصبح المواطن الأكثر ضعفًا في المنظومة الاقتصادية.. فهو الذي يدفع وحده سوء الإدارة لملف الديون.. مما ينذر باحتجاجات اجتماعية أن لم يكن اليوم، فربما يكون غدا وهو سيناريو كارثي إذا تطور لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائجه وتداعياته..

ووفقًا للأرقام الرسمية فقد وصل الدين الخارجي إلى ٨١ مليار دولار، مما يرفع حجم الدين العام الداخلي والخارجي إلى نحو ٣،٧ تريليونات جنيه، مما يعني أن ٣٢٪‏ من الموازنة، وتصل إلى ٤١٦ مليار جنيه يتم صرفها كفوائض ديون فقط وهي أرقام لا تبعث على الاطمئنان.. خاصة لو استمرت معدلات الاقتراض على وتيرتها الحالية.. وبالتحديد للقروض قصيرة الأجل.. وانخفاض نسبة ما يتم إنفاقه من تلك الديون على المشروعات التنموية ذات العائد الاجتماعي..

ثم أن الخوف بصراحة أن تصل مصر إلى مرحلة تصبح فيها الاستدانة ضرورية لمجرد سداد الأقساط السابقة في ظل التركيز الراهن على الاستثمار في مجالات الأوراق المالية والعقارات.. وهي ليست أنشطة مولدة للتشغيل والتصدير والنمو في الرواتب والأنفاق والضرائب للخروج من كابوس الديون الداخلية والخارجية.

وإذا كان صحيحًا أن حجم الديون ليس كبيرًا بالمعايير العالمية.. ولكنه لدولة في ظروف مصر يعتبر كبيرًا لأن حجم اقتصادها صغير.. بمعنى أن المبالغ التي تحتاجها الحكومة لسداد التزاماتها الخارجية خلال العامين المقبلين ستكون أكثر من نتيجة لها مواردها التقليدية.

والأمر هكذا ففي ظني أن المشروع القومي الحقيقي لهذا البلد هو في تسديد الديون.. بوضع خطة وطنية يشارك في صياغتها الجميع وإنشاء إدارة مستقلة لإدارة الدين العام تتبع البرلمان مباشرة.. تعمل على إعادة هيكلة الدين الخارجي من خلال خطة لاستبدال الديون القصيرة ومتوسطة الأجل بأخرى طويلة الأجل..

والمهم حظر الاستدانة الخارجية بدون موافقة البرلمان أولا.. والأهم من كل ذلك أن يصبح النمو معتمدًا على الاستثمارات والصادرات بدلا من الاستهلاك الممول بالديون.. وبالطبع فذلك يستدعي وجود رؤية اقتصادية وطنية للداخل.. وليس لإرضاء الجهات المانحة فقط، ومن الممكن التفاوض مع الدول المانحة.. وخاصة من الدول العربية مثلا لتأجيل السداد لخمس سنوات.. ريثما يلتقط الاقتصاد أنفاسه، خاصة أن علينا أن نسدد هذا العام ١٤ مليار دولار أقساط ديون وفوائد متراكمة عليها.
Advertisements
الجريدة الرسمية