رئيس التحرير
عصام كامل

تصبح على خير؟ وأنت من أهل الشر أفضل!


جرت العادة إن كنا سنذهب إلى الفراش طلبا للنوم والراحة، أن نقول لمن معنا على الخط في الشات أو في البيت رأسا: تصبح على خير، وجرت العادة أن تكون الإجابة التي انتقلت إلينا عبر الآباء والأجداد: وانت من أهله.. أو وانت من أهل الخير.


تناقلت الأجيال تحية المساء الجميلة هذه، فيها التمني الخالص بأن يصحو المرء على خير يواجه به نهاره الجديد، والتمنى متبادل بين من ألقى التحية ومن استقبلها فرد بخير منها أو مثلها.

اليوم بات كثيرون يشكون في أن هناك فعلا أهل خير؛ لأن قطيع أهل الشر صار يمثل الأغلبية الظاهرة، وهي مجموعات ذات ضجيج وصخب، ساقت بقية عناصر المجتمع إلى الاقتداء بها، حيث المبادرة بالهجوم تغنيك عن الجلوس في قفص الاتهام.. أهل الشر في مصر الآن ليسوا فقط ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مرات عديدة من أنهم جماعات الإرهاب والخيانة، بل يمكن في حقيقة الأمر توسيع المفهوم ليغطي قطاعات أخرى وفئات أخرى لا تقل شرًا عن جماعات القتل بالذخيرة.

الصحفي الكذاب أهل شر، والقاضي المرتشي أهل شر، والضابط الفاسد أهل شر، والمهندس اللص أهل شر، وهؤلاء جميعًا موجودون في كل مجتمع، لكن تبقى "السوسة" الحقيقية التي تنخر في عظام المجتمع وبنيته الأخلاقية، وتماسكه النفسي.. إنهم النمامون والخبثاء وناقلو الكلام بين الناس بالتزييف، وهم الحاسدون الذين يتمنون زوال النعمة من غيرهم حتى ولو لم تصبهم ببعض منها، المهم أن يخرب بيت الشخص الذي يحسدونه، تلك متعتهم.

أهل الشر في مصر أيضًا هم أولئك الذين طرأت عليهم المناصب والأموال، فانتفخوا وتعالوا عن الناس، وعزفوا عن الرد على التليفونات، وأغلقوا مكاتبهم في وجوه من يسعون إليهم، وهم ممن يصدرون وجوهًا إعلامية كالحة خالية من الحياة ولكنها مملوءة بدهن البلادة والمسايرة.

الجار يرى جاره ويشيح بوجهه، والسيارة تحترق على الطريق، فيمر السائقون عليها ببطء ليتفرجوا، فيعطلون من كان وراءهم، ولا يتكلفون حتى محاولة مد يد العون والمساعدة! وأهل الشر أيضًا هم الرعاع ممن يجهرون بالسباب وأقذر الألفاظ، وهم ممن إذا أقنعت نفسك أنهم متحضرون ولاد ناس، فاجأوك بوضاعة جذورهم وتهافت البيوت التي تلقوا فيها التربية، وعايروك بأدبك واعتبروا الطيبة عبطًا، والذوق ضعفًا، والصبر دعوة لركل الصابرين!

أين أهل الخير الذين ننام ونحلم بأن تتحقق دعوة المساء بأن نكون منهم أو يكونون هم من يزفون إلينا أخبارًا حلوة؟ أهل الخير في حسرة وفي هم وفي غم، وربما بات يتعين عليهم أمران: الأول الابتهال إلى الله أن ينجي البلاد من شر العباد وهم كثرة، والثاني أن يتعجلوا الموت، والرحيل عن وطن ترتع فيه قوى الشر والغفلة والجهل، بجرأة وبثقة وبجبروت، وبمناصب!

يعرف الأشرار تكوين العصابات والاتحادات، ولا يعرف أهل الخير مثل هذه المنظمات العدوانية الطاردة للطيبين، المغلقة على أشرارها، أما التكاثر فداخلي.

مجتمعنا تغير، ومع سيادة الشر فيه، تقع نذر وإشارات، ربما هي استجابات أولية من السماء لحناجر مشروخة، أرهقها الدعاء وأضناها الضيم.. الحكمة التقليدية أن الخير لابد أن ينتصر وأن الشر لابد أن ينهزم.. هذه أفلام قديمة، أبيض وأسود.

عفوا يا من أرسلت فينا هذه العبارة الباعثة على التحمل والتصبر، إذ يحزننى أن أبلغك اليوم أن الشر ينتصر ويتبجح ويدلدل رجليه على المحترمين من أهل الخير.
الجريدة الرسمية