رئيس التحرير
عصام كامل

ابنة الموسيقار الراحل على إسماعيل: إسرائيل طلبت رأس والدى.. وناصر أمره بـ «قص شعره»

فيتو

  • >> عبد الحليم حافظ انهار بالبكاء بعد سماعه خبر رحيله وغادر المنزل «حافي القدمين»
  • >> أم كلثوم طلبت لحنا منه فأجابها: «دى تبقى شهادة إعدامي»
  • >> السادات أمر بعد وفاته بإقامة جنازة عسكرية له وأطلق اسمه على شارع بالدقى
  • >> وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «ثورة اليمن» ولحن النشيد الوطنى الفلسطينى
  • >> كان يدعو دائما: «يارب خدنى وأنا واقف بشتغل» وبالفعل مات أثناء عمله


“عايشة بسيرته الطيبة وعطائه الفنى الخالد”، هكذا بدأت “شجون” ابنة الموسيقار الراحل على إسماعيل حديثها عن والدها بنبرات مليئة بالثقة والإخلاص لرمز فنى كبير، قبل أن يكون “أبًا” عظيمًا، عرف طريقه للتألق والشهرة بالجد والاجتهاد، وصنع اسمه بعد سنوات طويلة من التعب والكفاح في سبيل الفن فقط، لم يشغل باله بالجانب المادي، وكثيرًا ما قدم أعمالًا دون مقابل؛ لاقتناعه الكامل بها، وقف على المسرح فأجبر الجميع على احترامه والإنصات لألحانه المبدعة.. أحبه نجوم الزمن الجميل وفتحوا قلوبهم له قبل أن يسلموا أصواتهم الذهبية لتشدو بأروع الكلمات من ألحانه وتوزيعه المميز.. لم يخلق عداوات مع أحد بل كان صديقًا للجميع، وبمسيرته الحافلة بالعطاء استحق التكريم في حياته، وبعد وفاته أيضًا.. وحول كثير من الأسرار والكواليس والتفاصيل الخاصة عن حياة على إسماعيل تحدثت «شجون» لـ«فيتو»، وفتحت قلبها، وكشفت أسرارًا من حياته للمرة الأولى.. وإلى نص الحوار:


> من علم على إسماعيل وتأثر به في بداياته الفنية؟
تأثر بأندريه رايدر، وكان دائمًا يقول عنه “أستاذي”، وأندريه بالنسبة لعلى إسماعيل تطوَّر للموسيقى وحلم تحول لحقيقة، فقبل أندريه كانت الفرقة عبارة عن تخت شرقى وتتضمن عددًا بسيطًا من العازفين، وعندما تعرف أندريه على والدى كان وقتها قد أسس فرقة صغيرة للجاز في كازينو بديعة مصابني، وآمن أندريه بموهبته وتعلم على يديه الهارمونى والكتابة للأوركسترا والتوزيع، وكان أندريه أول من رشح على إسماعيل للموسيقى التصويرية في فيلم “عاشور قلب الأسد”، وعرض صناع الفيلم وأبطاله أصدقاء أندريه عليه في البداية أن يقدم الموسيقى التصويرية بنفسه لكنه رشح على إسماعيل بدلًا منه، وعندما سأله صناع الفيلم عن السبب وما إذا كان يعود لضعف الميزانية فأكد أنه رشحه لأنه يستحق الظهور، وبدأت مسيرة على إسماعيل من هذا الترشيح المهم.

> وهل توقفت علاقة على إسماعيل بأندريه رايدر عند حد العمل فقط؟
والدى اعتبر أندريه رايدر أستاذه وجمعتهما علاقة صداقة قوية، وكان دائمًا يعترف بجميله عليه ودوره في بداية مشواره، وأذكر أننا زرناه في المستشفى وقت مرضه، وعلاقات والدى كلها لم تقتصر على العمل فقط، بل امتدت للصداقة، ولم يقحم نفسه في صراعات أو مشكلات، وجمعته صداقات مع كبار الملحنين، ومنهم محمد الموجى وبليغ حمدى وكمال الطويل، وكبار النجوم أيضًا، وكان معظمهم طوال الوقت في منزلنا.

> حدثينا عن كازينو بديعة وأهم المحطات في بداية مشوار على إسماعيل؟
كازينو بديعة كان محطة مهمة في مشواره، وفى بداياته لحن مونولوجات، وعمل كعازف أيضًا في فرقة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وظهر في فيلم “غزل البنات” بأغنية “عشق الروح”، واستطاع أن يثبت نفسه ويبرز موهبته بالتدريج في كازينو بديعة، وقدم “لحن مونولوج” لبديعة مصابنى أعجبت به وغنته ثريا حلمى وقتها، وبعدها بدأ اسمه يُعرف في الوسط الفنى عن طريق الكازينو، وتعرف عن طريقه على المخرج الكبير حسن الإمام ومحمود رضا وعلى رضا، وكون معهم بعدها “فرقة رضا”، ومن أهم نقاط التحول أيضًا في بدايات على إسماعيل دراسته في معهد فؤاد الأول؛ فعن طريقه تعرف على زملاء دفعته عبد الحليم حافظ وكمال الطويل وفايدة كامل وأحمد فؤاد، وشكَّل كل ذلك مراحل معينة في حياته، وأثناء عمله في “كازينو بديعة” كان يدرس أيضًا، وبعد التخرج عمل بالإذاعة، وفى الإذاعة تحديدًا كان أول من شكل أوركسترا خاصًا بتكليف من رئيس الإذاعة وقتها، وقدم أوبريتات كثيرة منها “السيدة زينب”.

> احكِ لنا عن علاقة على إسماعيل بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟
شَكَّلَ عبد الناصر في فترة حكمه حالة خاصة ليس لعلى إسماعيل فقط، ولكن لكبار الملحنين والنجوم والشعراء، وشهدت فترته حالة من الوهج وقمة الإبداع للجميع، وجعل عبد الناصر الجميع يشعرون بأنهم مقربون منه، وجمعت عبد الناصر وعلى إسماعيل علاقة ود واحترام، وشارك في احتفالات أعياد الثورة بقيادة الأوركسترا دائمًا، وأذكر أنه تعرض لأزمة صحية في إحدى حفلات عيد الثورة، وأعلن عبد الحليم حافظ عن ذلك للحاضرين بالحفل، وجاء الطبيب وقتها لعلاجه، وفضَّل العودة للحفل مرة أخرى، وأذكر أيضًا أنه في إحدى الحفلات بعد النكسة وقع مغشيًّا عليه، وكانت أول مرة يكتشف فيها أنه مريض بالقلب، وتعرض لأزمة قلبية ومكث في المستشفى يومًا واحدًا وغادر.

> وهل يوجد موقف جمع بين عبد الناصر وعلى إسماعيل.. وجهًا لوجه؟
يوجد موقف طريف أذكره لأول مرة جمع بين والدى وعبد الناصر في إحدى الحفلات، وحدث ذلك الموقف بعد الحفل، ووقتها سلم عبد الناصر على كل المشاركين في الحفل، وعندما جاء الدور على والدى قال له عبد الناصر: “أنا عايز أعرف”، فأجابه والدى “أؤمر”، وبعدها قال عبد الناصر: “أنت يعنى مش هاتعرف تطلع مزيكا غير وشعرك عالى كده من غير ماتقصه؟!”، ليرد والدى: “أوامرك ياريس”، واختتم عبد الناصر حديثه معه قائلًا: “الحفلة الجاية قصَّر شعرك”، وبعد تلك الحفلة قام على إسماعيل بتنفيذ كلام عبد الناصر وقصَّ شعره لأول مرة في حياته.

> وهل قابل عبد الناصر على إسماعيل مرة أخرى بعد أن تخلى عن شعره بناءً على طلبه؟
نعم، تقابل والدى مع عبد الناصر في حفلة أخرى بعدها، وعندما صافحه عبد الناصر قال له: “أنا بأحمد ربنا إنى شفت شعرك قصير”، وكانت علاقتهما حميمية، واعتبره والدى وجيله من المبدعين زعيم الأمة والأب والقائد وحلم الوطن العربى كله.

> وما السر وراء “الاستايل” الخاص بشعره؟
علمت أن والدى في طفولته كان يكره أن يذهب للحلاق مع أشقائه الثلاثة؛ لاقتناعه بأنه لا يحق لأحد أن يمس شعره وكرهه الشديد لذلك، وعندما كبر اعتمد على “استايل” الشعر الكبير الخاص به، بجانب أنه كان عاشقًا لبيتهوفن ومتأثرًا به، وبيتهوفن أيضًا امتلك مثل ذلك “الاستايل” من الشعر.

> وماذا عن أعماله الوطنية؟
كان مهمومًا بالوطن العربى ككل وقضاياه، وقدم الكثير من الأعمال الفنية التي عبرت عن ذلك، ومنها على سبيل المثال الموسيقى التصويرية لفيلم “ثورة اليمن” إيمانًا منه بقضيتهم، وقدم أيضًا النشيد الوطنى الفلسطينى، وزار فلسطين بنفسه، وتعايش هناك في المخيمات بتكليف من ياسر عرفات، حيث أمر بأن يكون هو المسئول عن الشكل الفنى للنشيد، ورغم أن إسرائيل طلبت رأسه بسبب أعماله، وحذره ياسر عرفات بعد ذلك، وطلب منه ألا يحضر، لكنه رد قائلًا: “العمر واحد والرب واحد”.

> وكيف كانت العلاقة بينه وبين عبد الحليم حافظ على المستوى الإنسانى؟
كانت علاقة حميمية نابعة من حب خالص، وليس مجرد عمل فقط، ولمست ذلك من مواقف كثيرة، حتى أنه عندما سمع خبر وفاة على إسماعيل في منزله، وكان وقتها ممنوعًا بأمر الأطباء من الحركة، وبمجرد أن سمع حليم الخبر اتصل بكمال الطويل، وطلب منه الحضور بسرعة، وعلمت بعد ذلك أن حليم أزال الأجهزة الطبية، وغادر المنزل “حافي” القدمين من شدة الصدمة، ولم ينتبه إلا عندما أخبره كمال الطويل بأنه نسى ارتداء حذائه، وردد وقتها جملة واحدة: “على مات يا كمال.. جزء من المزيكا مات”، وانهار بالبكاء.

> وماذا عن اللحظات الأخيرة في حياته وكيف تتذكرين مشهد وفاته؟
كان والدى مجنونًا بحب الموسيقى ويتعامل كالأطفال، وأذكر أننا كنا نتشاجر دائمًا على الشيكولاتة، واتصف بقوة شخصيته وجمالها، بجانب تفاعله مع قضايا بلده نظرًا لأنه ابن حارة من منطقة الدرب الأحمر؛ مما أثر في شخصيته وجعلها تتصف بالشجاعة وعدم التقيد بالأوامر، ولم يظهر عليه المرض أبدًا، وكل تلك الصفات جعلت تحجيم شخصيته والسيطرة عليها وتقييدها بأوامر صعبًا، وأذكر أن والدتى غضبت منه لعدم التزامه بتعليمات الطبيب لكنه قال لها وقتها: “العمر واحد والرب واحد”، وقضى ثلاثة أشهر بعد تلك المواجهة مع والدتى ورحل عن عالمنا، وكان موجودًا يوم وفاته في مسرح الحرية ليسلم لسمير خفاجى مسرحية كباريه وافتتاحية فيلم “مولد يا دنيا” للمخرج حسين كمال.

> وماذا عن تفاصيل وأسرار ذلك المشهد الأخير له؟
كان من المفترض أن يتسلم المخرج حسين كمال افتتاحية فيلم “مولد يادنيا” من والدى، وأخبر والدى حسين كمال أنه سيسافر لتسلم جائزة جمال عبد الناصر من روسيا، وتقديم عروض مع فرقة رضا ثم يعود ويسلمه الافتتاحية والموسيقى التصويرية، لكن المفاجأة أن والدى صمت بعد ذلك الحديث وتوفى، وكان معروفًا عنه حبه للمقالب وروح الدعابة؛ مما جعل حسين كمال يقول له وقتها: “مش وقت مقالب يا على”، وبعدها كرر حديثه أكثر من مرة، ورفع رأسه ليجده ميتًا، وتحققت بذلك أمنيته حيث كان دائمًا يدعو الله ويقول: “يارب خدنى وأنا واقف باشتغل”.

> ما صحة ما تردد عن رفض على إسماعيل التلحين لأم كلثوم؟
فرقة على إسماعيل كانت أكبر فرقة وقتها وضمت أمهر العازفين، وكانت أم كلثوم دائمًا تتصل به وتطلب منه بعض العازفين بالاسم ومنهم “عظمة”، وذات مرة مازحت أم كلثوم على إسماعيل قائلة: “انت مش عايز تلحن لى يا واد يا على”، فأجابها قائلًا: “يبقى انتى عايزة تكتبى شهادة إعدامى.. هو أنا أطول ولا أقدر”، والحقيقة أنه لم يخف من التجربة بل رفضها بروح الدعابة والمرح لإدراكه أن ذلك ليس مكانه ويُعتبر ذكاء منه وقتها.

> احكِ لنا تفاصيل قصة حبه للشاعرة نبيلة قنديل وزواجه منها؟
بداية تعارفهما تكتب على المواقع بشكل خاطئ، حيث يشير الأغلبية إلى أن أول تعارف بينهما تم في كازينو بديعة، والحقيقة أن والدى كان من أسرة متوسطة الحال، أما والدتى فكانت من أسرة ثرية في طنطا، وبداية تعارفهما تمت عن طريق أحد أصدقاء والدى، ويدعى زكى غنيم، وكان عازفًا معه في فرقة رضا وأحد جيران نبيلة قنديل، وكان والدى دائم التردد عليه، وفى ذلك الوقت كان يدرس في معهد فؤاد الأول، ويعزف في كازينو بديعة وفرقة محمد عبد الوهاب، وشاهد على نبيلة ذات مرة أثناء وجوده عند صديقه، وكانت عائدة من المدرسة، وشعر بأنها مثل أميرة الأحلام لأنها كانت تدخل البيت وتختفى وكأنها في سجن، وبدأ بعد ذلك يتابعها وينتظرها أمام المدرسة، وتجرأ ذات مرة وتحدث معها لكنها رفضته في البداية ثم كتب لها خطابًا، وردت عليه وبعدها طلب أن يتقدم للزواج منها.

> وماذا حدث بعد ذلك؟
والدها كان متوفي فطلبها من والدتها وشقيقها، وطرده شقيقها شر طردة، وقال له: “مش هاجوز أختى لزمار”، وكان ذلك أول صفعة تلقاها، وتم منع نبيلة بعدها من المدرسة لفترة، وأثناء عمل على بكازينو بديعة لاحظت إحدى صديقاته من الفنانات حزنه، وعندما علمت بالقصة نصحته بأن يتزوجها، وبالفعل هربت نبيلة معه وتزوجته عند صديقته، وأقاما في منزلها لعدم امتلاك والدى لمنزل وقتها.

> وهل شجعها على إسماعيل على الكتابة منذ البداية؟
شجعها واكتشف فيها موهبة الكتابة وكتبت أغانى رمضان للثلاثى المرح وشكلت ثنائيًّا فنيًّا مميزًا مع على إسماعيل، وتعاونت مع كبار الملحنين مثل كمال الطويل والمطربين مثل فايزة أحمد وشريفة فاضل ومحمد فوزى، وكان والدى دائمًا يتشاجر معها ويقول لها: “انتى شاعرة في وسط عمالقة”، وذلك ليشجعها على الكتابة وتعتبر زيجتهما من أنجح الزيجات في الوسط الفني.

> وماذا عن تفاصيل علاقة على إسماعيل بالرئيس أنور السادات؟
والدى كان ابن عبد الناصر، وابن تلك المرحلة، وأول مرة رأيت دموعه كانت عند وفاة عبد الناصر، وبدأت العلاقة بينه وبين السادات بعد انتصار أكتوبر 1973، وقبل ذلك شهدت فترة النكسة والهزيمة في 1967 إنتاجًا هزيلًا لعلى إسماعيل ونبيلة قنديل وجميع المبدعين، حتى إن على ونبيلة قدما معًا “الطشت قاللى”، وتسبب نصر1973 في حالة من الزهو والفرحة انعكست على الفن، وقدم على ونبيلة أول أغنية للنصر وكانت “راجعين”، وشكلت إحدى أيقونات النصر وقدما أيضًا “أم البطل” و”رايحة فين يا عروسة”، وحضر على إسماعيل احتفالية واحدة لنصر أكتوبر قبل وفاته، وقاد فيها الأوركسترا، وبعدها اتصل به السادات بنفسه وطلب منه أن يشرف على أغنية “الزفة” لحفل زفاف ابنته، واشترط السادات أن يلحنها على إسماعيل، وتكتبها نبيلة قنديل وتغنيها مها صبرى، وبعد وفاته أمر السادات بأن تقام له جنازة عسكرية ويذاع خبر وفاته في التليفزيون، ويعرض خبر الوفاة أيضًا قبل الفيلم في النشرة بالسينمات، وتعرض الجنازة أيضًا شهرًا كاملًا، وكان مكتب السادات يتصل بوالدتى بشكل مستمر طوال فترة حكم السادات، وأطلق اسمه على شارع في الدقى.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية