رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في «منشية ناصر».. مسجد «آل ياسر» ملاذ المتضررين من انهيار «العقار رقم 3»

فيتو

عند المدخل الأمامي لمسجد "آل ياسر" الذي بني منذ نحو عامين في شارع "الحنفية" بمنطقة منشأة ناصر بالقاهرة، يبدو المشهد للوهلة الأولى من المار أمامه، عبثيًا إلى حد بعيد، لا تشاهده إلا في هذا المربع الشعبي الصغير، أحذية نسائية تتناثر عند المدخل، صوت استجداء صادر من الداخل، وأواني الطهي تتراص والمصاحف الموضوعة في الأرفف المواجهة لمدخل المسجد.


"إحنا من يوم الخميس اللي فات، يوم ما العقار رقم 3 وقع، وإحنا هنا في مكانا، السيدات بيناموا هنا في أرضية المسجد، والرجال فوق في مصلى السيدات"، يتخذ "عم أحمد فكري" كرسيا هو الوحيد القائم في وسط المسجد، يشير إلى زوجته "أم رشا"، التي أصيبت جراء سقوط حجر على قدمها، حينما خرجت لتشاهد العقار وهو ينهار، "أنا صاحب البيت رقم 4 المجاور للعقار، من أسبوع جه الحي قالنا لازم البيوت اللي حوالين العقار المنهار يتم إخلاؤها، لأنها آيلة للسقوط نتيجة وقوع العقار عليها".

ما زال أحمد يتذكر تفاصيل اليوم المشئوم حتى هذه اللحظة، ذاكرته توقفت كحياته عند هذه اللحظة التي باعدت بينه وبين منزله حتى حين، "كنت نازل أصلي الظهر، شيء عطلني شوية في البيت، وإلا كان هيقع عليا، سمعت صوت كأنه انهيار ومحستش غير والغبار بيهب علينا من البيت اللي قصادنا، جرينا على الشارع، أنا شغال بنا من سنين وعارف إن العقار ده يستحمل لسنين قدام"، منذ تلك اللحظة لم يعد أحمد إلى منزله، يخرج من الحين والآخر يمشي بضعة أمتار نحوه، ينظر إليه ثم يعود من جديد إلى مأواه بمسجد الحي، تلتقط "أم رشا" خيط الحديث قائلة: "أنا شقتي قدامي سليمة ومش عارفة أدخلها، أنا ست كبيرة مينفعش أفضل نايمة على الأرض والسكر مدمر رجلي".

العقار رقم 4 أسسه والد أحمد، الذى يعمل في مجال البناء والتشييد منذ حوالي أربعين عاما، "بيتنا ده حديد عمرنا ما شكينا إنه هيقع، وهو دلوقتي مش مايل على اللي وقع زي ما الكل بيقول، حرام حاجتنا اللي فوق دي مش عارفين ناخدها"، ما زال أحمد وزوجته "وردة"، وكذلك العشرات ممن يفترشون أرضية المسجد، بملابسهم التي كانت عليهم، يوم سقط العقار رقم 3 ظهر الخميس الماضي، "حياتنا واقفة، لا بنغير هدمة ولا بنمارس حياتنا العادية زي أي حد"، تتحدث الحاجة توحيدة التي كانت تقطن الطابق الأرضي من العقار المتضرر: "أنا عايشة أنا وابني من سبع سنين في البيت ده، معندناش غيره"، تفاجأت توحيدة بحجر ضخم سقط في صالة الشقة، "محسناش إلا هما بيقولوا البيت اللي قصادكم وقع".

في أحد أركان المسجد، تجلس "فاطمة" وأحفادها الثلاثة، ترتكن إلى حائط تراصت بجواره حقائب الملابس، وصندوق الأدوية، "ده اللي سمحوا لنا ناخده وإحنا نازلين وهما بيخلوا البيت، من وقتها مبنطلعش، شقة ساكنة فيها أنا وبنتي بعد ما اتطلقت وجت عاشت معايا بعيالها، من نحو 3 شهور، متشطبة سوبر لوكس، ومفروض عليا أشوفها من بعيد وبس"، تتحدث فاطمة بينما يلعب حولها أحفادها الذين أخذوا إجازة مفتوحة عن المدرسة واللعب والحياة.

في الطابق العلوي للمسجد، تجذبك اللافتة متوسطة الحجم التي تحمل عبارة "مصلى سيدات"، ولكن ما إن تعبر الباب الصغير، تجد مجموعة من الوسائد والأغطية، وشابين يجلسان بجوار بعضهما، "إحنا الشباب بنام هنا والسيدات تحت، بياكوا ويشربوا ويقعدوا تحت"، يتحدث محمود ابن الـ18 عاما، الذي ترك شقته بالطابق الثاني، بأمر من الحي، "رئيس الحي جه قالنا لازم تخرجوا لأن العقارات هتقع، خرجنا وقالوا هتروحوا مركز شباب منشية ناصر، ولما روحناها كانت غير آدمية بالمرة، ومفيش سقف".

رباب ووالدتها وأبناؤها ناموا مساء الأربعاء، واستيقظوا ليجدوا أنفسهم بلا مسكن أو ملبس نظيف، جردوا من كل شيء، إلا الأمراض التي زحفت نحوهم بسبب النوم في الهواء الذي تصدره مراوح السقف بالمسجد، "هما هنا بيشغلوا المراوح طول الوقت علشان النفس كتير، أصيبت بنزلة شعبية، وعضوة في مجلس النواب هي اللي اشترت لي الدواء"، خمسون جنيها هي ما تبقت من أموال مع رباب وأسرتها، "أنا بدخل الحمام هنا بخرج ألاقي فلوسي اتسرقت".

"قالوا لهم روحوا مركز شباب منشية ناصر، وبالفعل راحوا لقوا نفسهم هيناموا في الطل، الملعب من غير سقف، رجعوا على المسجد وأنا فتحته لهم، ومانع الصلاة فيه"، يتحدث عماد حمدي، الذي يداوم على متابعة المسجد من فترة لأخرى، "صلاة الجمعة الماضية لم تتم بسبب إنهم سيدات مينفعش يناموا في الشارع، لولا وجود الجامع، كانوا ناموا في الشارع".

Advertisements
الجريدة الرسمية