رئيس التحرير
عصام كامل

القول المأثور في الرد على مجدي بن عاشور


يفخر الرجال وتكاد أعناقهم تجاوز السحاب حين يُنسبون لآبائهم، وحكى التاريخ عن أعلام نُسيت أسماؤهم واشتهروا بنسبتهم لآبائهم، فإذا قال قائل «ابن عباس» فهم الجميع حتى العوام أنه الصحابي الجليل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهما، ولو قيل ابن حنبل لعرف على الفور الإمام أحمد، وإن قيل ابن تيمية لانصرفت الأذهان إلى أحمد بن عبد الحليم، على الرغم من أن تيمية جدة بعيدة له، رحم الله الجميع.


وعليه فعنوان المقال الذي بين يديك الآن عزيزي القارئ لم يخالف الأدب قيد أنملة، فمُستشار مفتي الجمهورية هو الدكتور مجدي عاشور، والحق أني لا أعرف له كنية فأدعوه بها ولو عرفت لفعلت، ولا أظن أن حامل العلم الشرعي ابن الأزهر يفضل لفظة الأعاجم «دكتور» على ما تعارف عليه العرب منذ زمان النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولا أظنه كذلك يرتضيها منطوقة «دُكتُر» كما ينطقها الأكابر، فهو عندي أكبر من ذلك بكثير.

لكن أي فتوى من فتاوى مجدي عاشور سيكون الرد، إذ إن أقواله تذاع ليل نهار على عدد من الفضائيات، وبرنامج «دقيقة فقهية» يذاع أكثر من 20 مرة على مدار اليوم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم.

على الرغم من أن فتاوى الشيخ مجدي تحاصر المواطنين ليل نهار فإنها مليئة بالأخطاء، وتجد من يتهارجون تهارج الحمر للدفاع عنها، قائلين إن مستشار المفتي عالم كبير وهو مجتهد له نظر في النص وفهمه، وهؤلاء لا علاقة لنا بهم، لأني أظن أن الشيخ مجدي لا يمكن أن يستمر في خطئه إذا رأى أن النص الصريح الصحيح يخالف قوله.

ومن الممكن أن يتحمل المرء زلة عالم إذا كانت في فروع الدين، لكن لا يعقل السكوت إذا كان الخطأ في أصل من أصول الشرع الثابتة الراسخة التي جاء النبي لتأكيدها ونفي ضدها، وفي هذا النوع من الأخطاء سقط الشيخ مجدي سقوطا مدويا وأذاعته إذاعة القرآن الكريم التي جعلته مقررا علينا في كل ساعة، وأعاد الخطأ نفسه في قناة الناس، وأصل للمخالفة وكأنها دين.

ومن هذه البلايا ما أكده الشيخ مجدي في برنامج «دقيقة فقهية» المذاع عبر إذاعة القرآن الكريم، أن الأمة أجمعت على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بل قالت باستحبابه.

ونحن نقول له أين هذا الإجماع إذ إنه لم يرو عن الصحابة ولا عن أحد من أئمة الدين أو علماء المسلمين المقتدي بهم ولا نُقل أن أحدًا منهم قال: "اللهم إني أسألك بحق نبيك أو أنبيائك أو بجاه أو حرمة فلان أو أتوسل إليك بنبيك"، ولم يفعلوه في الاستسقاء ولا في غيره، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولم يرد هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، إنما نقله المتأخرون الذين وقعوا في الغلو والشرك، وينقلون في ذلك أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا تقوم بها حجة.

ونقل عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم صرحوا عن ذلك، وقالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، ثم نقل عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك.

ونؤكد أن ما نقل عن الإمام أحمد في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما ورد بصيغة التمريض، فلا نعلم له طريقًا صحيحًا عن الإمام أحمد رحمه الله ولو صح عنه لم يكن به حجة بل الصواب ما قال غيره في ذلك وهم جمهور أهل السنة.

وهنا نعود لسؤالنا أين هذا الإجماع يا مستشار المفتي؟!.. وننتظر الإجابة.

أجاز الشيخ مجدي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم مستشهدا بقوله تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»، ولا أعلم من أي وجه رأى الشيخ أن في الآية ما يجيز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونحن نقول للشيخ مجدي أقوال أهل العلم الذين قالوا ما نصه «قال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما».

أ- قال ابن كثير:" يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم". 

ب - قال الشوكاني: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك جاءوك متوسلين إليك متنصلين من جناياتهم ومخالفاتهم فاستغفروا الله لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم واستغفرت لهم، ولهذا قال لوجدوا الله توابا رحيما". 

ج - قال الرازي: "يعني لو أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول جاءوا الرسول فأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه واستغفر لهم الرسول بأن يسأل الله أن يغفر لهم عند توبتهم لوجدوا الله توابا رحيم" . 

ونجد أن الآية خطاب لقوم معينين وليس فيها لفظ عموم، حتى نقول العبرة بعموم اللفظ إنما فيها ضمائر، والضمائر لا عموم لها، أما المجيء إلى القبر لا يتناوله المجيء إلى الشخص لا شرعا ولا لغة ولا عرفا، فالمجيء إليه إنما يكون في حياته فقط.

وكذلك فإن الاستغفار عمل، وفي الحديث «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

فما هو رد سماحة مستشار مفتي الجمهورية، أرجو ألا يكون الصمت، ويتجاهل النصوص الشرعية التي ذكرناها وتركنا آلاف الصفحات منها مخافة التطويل على القارئ.

وأنا أثق في الشيخ مجدي أنه لن يلجأ للتهويش على غرار ليس لأي أحد أن يتحدث في الدين، فأنا أزهري منذ الابتدائي حتى التخرج، أو الاستدلال بأحاديث ضعيفة أو تفسير غريب لنصوص الكتاب والسنة، فهو عندي قيمة وقامة كبيرة.
الجريدة الرسمية