رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام الغربي وأزمة الثقة في حقوق الإنسان


تغطية قناة الــ"بي بي سي" لقصة الاختفاء القسري "لزبيدة" التي ظهرت لاحقًا على شاشة قناة "أون" مع الإعلامي عمرو أديب، والتي نفت فيها ما ذكرته والدتها للمراسلة أورلا جورين ينم عن أزمة ثقة لدى الإعلام الغربي في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ردود أفعال ظهور "زبيدة" ونفيها لما جاء في تقرير الــ"بي بي سي" يعيد طرح سؤال جدلي حول "سوء ظن الإعلام الغربي فيما يحدث في مصر"، ويعيد طرح أسباب تناول قضايا حقوق الإنسان في الإعلام الغربي بهذا سلبي على الدوام.. ودعوني أطرح رؤية موضوعية تبتعد عن تلك التي تقول بوجود مؤامرة مستمرة بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر.


تغطية الـ "بي بي سي" لقصة زبيدة تكشف عن تسرع المراسلة في تقصي الحقيقة وراء اختفاء زبيدة التي قالت إنها لم تتصل بوالدتها، ويزيد من شكوك المصريين حول نية الإعلام الغربي.. مهنيًا كان على المراسلة أن تتوجه إلى الهيئة العامة للاستعلامات أو الجهات المختصة لمعرفة سبب اختفاء زبيدة.. يمكنني رصد أربعة أسباب لتناول الإعلام الغربي لقضايا حقوق الإنسان بشكل سلبي.

أولا: صدى المعلومات:
الإعلام الغربي مدفوع بصدى المعلومات الخاصة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر.. فصدى المعلومات هو من أدى لتسرع مراسلة الـ "بي بي سي".. فموقع الـ"بي بي سي" الذي نشر قصة "زبيدة" ضم قصتين أحدهما لاختفاء الحقوقي إبراهيم متولي، الذي قال موقع الـــ"بي بي سي" إن تصاعد ضغط الإعلام الغربي ساهم في ظهوره بعد يومين أمام النيابة بتهمة "نشر أخبار كاذبة وتأسيس منظمة غير شرعية" حسبما جاء في التقرير.. فهل ظهر إبراهيم متولي بفعل الضغوط الإعلامية أم أن الإجراءات الأمنية والقانونية هي من تسببت في تأخير الإعلان عن القبض عليه، وظهر عندما تم عرضه على النيابة؟ وإن إجراءات القبض والعرض على النيابة هي من تسببت في التأخير؟

ثانيا: تأكيد بعض الدول الغربية على وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر.. فالولايات المتحدة الأمريكية التي ينظر الإعلام الغربي لها على أنها حليفة لمصر جمدت جزءًا من معونتها لمصر؛ بسبب ملف حقوق الإنسان، وقبلها بعام أعلنت المملكة المتحدة عن تغيير رؤيتها لحقوق الإنسان في مصر بعد ازدياد المزاعم بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان.

ثالثًا: غياب الشفافية وتضارب المعلومات:
هناك بعض القرارات التي تبدو غير مفهومة وتغيب بشأنها الشفافية، مثل إغلاق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، فهل رغبت الحكومة في إرسال رسالة مفادها بأنه لا يوجد تعذيب وعنف في مصر حتى يكون له مركز تأهيل.. دعونا نأخذ قضية مركز النديم كنموذج بسيط لتضارب الأراء والمعلومات.. المهندس سيد عبد الفتاح، رئيس حى الأزبكية بمحافظة القاهرة قال في تصريح في فبراير الماضي على موقع اليوم السابع "إن قرار إغلاق مركز النديم جاء بسبب طلب وزارة الصحة بسبب بعض المخالفات"..

في حين ردت نقابة الأطباء ببيان قالت فيه إن إغلاق مركز النديم مخالف للقانون الذي ينظم المنشآت الطبية رقم 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون رقم: 153 لسنة 2004، موضحة أن القانون به ضوابط ومحددات لأحوال وطريقة غلق المنشأة الطبية، وهو ما لم يتوفر بحالة عيادة مركز النديم.

لماذا نطلب من الإعلام الغربي تبنى المعلومات الواردة من وزارة الصحة حول وجود مخالفات بمركز النديم في حين يجد المراسل معلومات من النقابة منوط بها حماية شروط ممارسة المهنة تقول إن إغلاقه بهذا الشكل مخالف للقانون؟ ثم أن الصحفي الغربي سيكون على قناعة أن هناك العديد من المراكز الطبية المخالفة، فلماذا لم تغلقها وزارة الصحة؟

رابعًا: اختلاف السياق السياسي: الإعلام الغربي لا يقف على الأرضية نفسها التي يقف عليها الإعلام المصري.. فالإعلام المصري سيتفهم قرار القبض على الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح في ضوء البيان الذي أوضح أسباب القبض عليه، في حين أن الإعلام الغربي لن يتبنى المعلومات الخاصة بلقاء الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لقيادات من الإخوان في الخارج، وسيرى ما حدث هو القبض على رئيس حزب سياسي معارض.

خامسًا: اختلاف التعاطي مع الأخبار والتقارير عن حقوق الإنسان في مصر.. فموقع المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر على الإنترنت يتضمن تقريرًا عن زيارة وفد من المجلس لسجن المرج العمومي، ويشرح التقرير الجوانب الإيجابية والتطور الحادث في سجن المرج العمومي، والذي ينتج 3.5 أطنان من الحلاوة الطحينية يوميًا، ومخبز بلدي ينتج 3500 رغيف يوميًا، بالإضافة إلى مزرعة المواشي، وفرص التدريب والتأهيل، بينما لم يتعرض للمشكلات الخاصة بالسجناء، فهل تنتظر الحكومة في مصر أن يتناول الإعلام الغربي أوضاع حقوق الإنسان في مصر بالطريقة نفسها؟

هل يمكن لنا أن نطلب من الإعلام الغربي أن يركز على الجوانب الإيجابية كتلك التي يرصدها المجلس القومي لحقوق الإنسان فيما يجد لديه تقريرًا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن الفترة بين يوليو –سبتمبر 2015، عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر تنشر فيه قوائم لمساجين توفوا نتيجة للإهمال الطبي، بين قوائم أخرى لأشخاص يقول التقرير إنه تم قتلهم خارج القانون؟

لماذا لا يتم مناقشة التقارير التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان بشكل مفسر في أكثر من قناة فضائية؟ ولماذا يظل هذا الملف غامضًا مبهمًا؟ باختصار، إن رد الحكومة والإعلام المصري على تقرير "زبيدة" جاء بشكل مباشر من خلال ظهور من ادعى التقرير اختفاءها.. فلماذا لا يتم التعاطي مع التقارير الخاصة بحقوق الإنسان بالطريقة نفسها؟
الجريدة الرسمية
عاجل