رئيس التحرير
عصام كامل

أحفاد مبارك


أظن أن أقوى حزب في مصر الآن هو حزب أبناء مبارك وإن لم يعلن رسميًا، فقد أثبتت أحداث السنوات السبع الماضية أنهم الأكثر تنظيمًا وصدقًا وإخلاصًا وانتماءً شاء البعض أو رفض أحببتهم أو كرهتهم، فقد صهرتهم ووحدتهم قسوة التجربة، ثم إن الأيام أفرزت وقامت بأكبر عملية تصفية للمنافقين الذين يلتفون حول السلطة أيًا كانت هذه السلطة، وتحمل أبناء مبارك كل الاتهامات الكاذبة والصحيحة، وكان لديهم منطق في التصدي ولم يتركوا الرئيس الذي أخلصوا له طوال محاكماته صيفًا وشتاءً، وحتى عندما كان نزيلا في مستشفى المعادي..


راحوا يتجمعون في كل المناسبات التي كان لمبارك جهد فيها، والمدهش أن جماعة أبناء مبارك لا تضم شخصًا واحدًا من مئات الآلاف الذين كانوا في الدوائر القريبة من الرجل إبان سنوات حكمه، أو ممن استفادوا منه، ورأينا كثيرًا من رجال أعمال ومسئولين صنعتهم قرارات مبارك وكونوا مليارات وامتيازات تسللوا في يوم الحادي عشر من فبراير يوم تنحى عن الحكم وانضموا لنشطاء التحرير، ومنهم من كان يتودد للرئيس وابنه ومنهم من كان سببًا في تسلل الفساد لمؤسسة الرئاسة، حينما نجح في اختراق قلب الأب عن طريق رعاية ضناه، بل أن واحدًا من هؤلاء كاد أن ينظم الشعر في الأب والابن والزوجة سارع بإعلان نفسه من الإخوان مستدلا على ذلك باسمه..

وهناك مئات القصص من تلك النماذج التي قامت بحرق جزء من تاريخها، وراحت تنظفه بالالتحاق بالنظام الجديد ثم خاب ظنها وخسرت الرهان للمرة الثانية خلال عدة أشهر عندما قامت الامة بإزاحة الإخوان، والغريب قدرة هؤلاء في الالتحاق للمرة الثالثة بالنظام الأجدد، وبينما كان هؤلاء الراقصون يغيرون جلودهم كالأفاعي، كان أبناء مبارك صامدون في تحد غريب وقدرة فطرية على قراءة المستقبل، بل الإيمان بعدالة ونبل موقفهم، وأعرف عددًا كبيرًا منهم فقد وظيفته وبات منبوذًا من الثوريين الجدد وعدد آخر مطارد وشبه معزول بسبب موقفه السياسي..

ذلك أن البعض يرى أن تحب شخصًا فهذا يعني كراهية الآخرين، وهناك البعض الثالث الذي حولته الأيام وبعض التصريحات إلى معارض للسلطة؛ بسبب بعض مواقفها من مبارك، وفي كل الأحوال يمكن تفهم ذلك بحكم طبائع الأمور وتغير القيادات والظروف، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو الإصرار على التنكيل بأحفاد مبارك أبناء علاء وجمال والتحفظ على أموالهم من جهاز الكسب غير المشروع، ومنعهم من السفر خوفًا من هرّبهم للخارج، مما يبدو تصرفًا بلا منطق..

خاصة بعدما أصبح معلومًا بالضرورة الآن رفض مبارك نفسه الهروب خارج مصر في عز الأزمة، ورفضه كل العروض التي عرضتها الإمارات والسعودية والكويت لاستضافته، ولم تكن هناك سلطة تمنعه سواء المجلس العسكري أو الشارع وقتها بل إن البعض كان يتمنى ويحلم بسفر الرجل مع أسرته ولكنه رفض، بل إنه خلال إقامته في شرم الشيخ ذهب للعلاج في السعودية، وأصر على العودة والمثول أمام المحكمة متهمًا في عدة قضايا وبغض النظر عن مسألة التحفظ على أموالهم، فهذا شأن قضائي له مبرراته وإجراءاته القانونية، ولكن مسألة المنع من السفر فيما يعني أن العائلة لا تزال متهمة رغم براءة الجميع الآن، وتنفيذ أحكام القضاء في كل الأحكام التي صدرت ضدهم خاصة في ظل قاعدة لا تزر وازرة وزر أخرى..

فلا شأن مثلا للأحفاد والزوجات بملاحقات القضاء وقد كان معلومًا للجميع أن زوجتي "علاء وجمال" لا شأن لهما بالساسة والسياسة وإنهما من ذوي أصول ثرية قبل الزواج وبعده وهذا ليس دفاعًا عن أحد بقدر الانتصار لعزيز قوم ذل، وفِي ظل خوف البعض من عرض المشكلة خوفًا من التأويل وسوء التفسير، والأهم الانتصار للعدالة من عقاب أشخاص على تهم لم يرتكبوها، ذلك أن القضاء والقانون هما حصنا الأمة للعيش في اطمئنان وبدون خوف من سلطة ترهبهم، أو رأي عام منقاد يرعبهم؛ لأن ميزان العدل قائم بين الناس ينصف المظلوم قبل أن يقتص من الظالم.. 

ولهذا كانت العدالة معصوبة العينين حتى يكون الجميع أمامها سواسية، وفي كل الأحوال فإن حكاية أبناء مبارك وأحفاده لا تزال في صفحاتها الأولى، وسيأتي يوم نعرف فيه كيف صمدوا ولم يهرولوا مع المهرولين.
الجريدة الرسمية