رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتورة مايسة شوقي: 5 مسببات رئيسية للأمراض المزمنة.. والمصريون يكتشفونها بالصدفة

فيتو


  • تحقق أعلى نسب وفيات في العالم.. وأصبحت على رأس أولويات الخريطة الصحية والقيادة السياسية
  • مطلوب زرع مفاهيم تجنب مسببات تلك الأمراض في الأجيال الجديدة ودمجها في المناهج التعليمية
  • وضع إستراتيجية واضحة للقضاء على أسباب الأمراض غير المعدية ضرورة


في ريفِ مصرَ وصعيدِها.. قرىً موبوءةٌ، يسكنُها المرضُ المزمنُ، يطاردُ الفقراءَ والغلابة والمُعدمين، يعكَّر صفوَ حياتهم، يستنزفُ أموالَهم القليلة، يعجّل بموتِهم. في تلك القرى.. وجدت عصابة من الأمراض المزمنة ضالتَها، فاحتلت أجسادَ أهلها الذين سقطوا من اهتماماتِ الحكومة وأولوياتِها. هناك قرىً يفتكُ السرطانُ بأبنائها، وقرىً أخرى تجتاحُ الأمراضُ الصدرية صدورَ قاطنيها، وقرىً أخرى يعسكّرُ فيها الفشلُ الكلوى، وقرىً غيرُها يفرض الجذامُ وجوده القبيح.. وهكذا. والمؤلمُ أنه ليس هناك مسحٌ رسمىٌّ أو رصدٌ حكومىٌّ لخريطةِ الأمراض المزمنة، الأمرُ الذي يتطلبُ تحركًا حكوميًا جادًا بعيدًا عن "الشو" الذي يعشقُه وزيرُ الصحة والسكان الحالى، ليشخّص الحالة ويحدّد الحلولَ العاجلة.. فمن الظلم أن نتركَ الفقراءَ معدومى الحيلة فريسةً سهلة لتلك الأمراض المتوحشة.. 

والأمراض المزمنة هي التي تصاحب المرضى على مدى سنوات طويلة وربما مدى الحياة.. وخلال السنوات الأخيرة ارتفعت نسب الإصابة بالأمراض المزمنة وباتت تحقق أعلى نسب وفيات في العالم، وخاصة في مصر، التي تعد من أعلى نسب الإصابة والانتشار.

وفي مصر لم تكن هناك إستراتيجية واضحة للقضاء على الأمراض المزمنة، خاصة مع تسليط الضوء على الأمراض المعدية فقط دون الاهتمام بمجموعة الأمراض المزمنة.

وأسست وزارة الصحة إدارة جديدة تسمى "مكافحة الأمراض غير المعدية"، وتجري حاليا مسحًا طبيًا شاملًا لجميع الأمراض المزمنة الرئيسية، منها أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية والضغط وأمراض السكري والسمنة.

أسباب انتشار تلك الأمراض متعددة، حسب الأطباء، منها زيادة العمر الافتراضي والتدخين ونظام الحياة السريع والضغط وزيادة الوزن. 

وكل فترة تقوم وزارة الصحة بحملات توعية بمخاطر الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى حملات للكشف المبكر عن تلك الأمراض وتحديد مسبباتها، خاصة مع وجود نسبة كبيرة من المرضى لا يعلمون بإصابتهم ويكتشف المرض بالصدفة. 

الدكتورة مايسة شوقي، أستاذ الصحة العامة بكلية طب قصر العيني، ونائب وزير الصحة السابق، كشفت لــ"فيتو" عن مخاطر الأمراض المزمنة وأسباب الإصابة بها، خاصة أنها تسبب معدلات وفيات مرتفعة في السنوات الأخيرة.. وإلى نص الحوار:

• ما الأمراض المزمنة؟
- الأمراض نوعان؛ منها المعدي الذي ينتقل عن طريق البكتيريا والميكروبات والفيروسات، بينما توجد أمراض أخرى لا تنتقل من شخص لآخر، ولكن لها محددات وأسباب يمكن أن تكون ضمن أفراد الأسرة الواحدة وتصيب أكثر من فرد ومرتبطة بالسلوكيات الحياتية تسمى الأمراض غير المعدية أو المزمنة التي تصاحب الإنسان مدى حياته أو يحقق شفاء منها على مدى سنوات عديدة.

• وما أهم تلك الأمراض المزمنة؟
- ارتفاع ضغط الدم وداء السكري والأورام والقلب والأمراض التنفسية.

• وما أهم أسباب الإصابة بتلك الأمراض؟
- جميع تلك الأمراض لها أسباب واحدة وعوامل مشتركة؛ لذا تم إدراجها تحت مجموعة واحدة، وهي الأمراض غير المعدية، وأهم مسبباتها التدخين سواء الإيجابي أو السلبي وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، إضافة إلى تناول الأطعمة غير الصحية وتناول الكحوليات والتوتر والانفعال المستمر.. تلك هي الأسباب التي يرتكبها المرضى بأنفسهم. 

بينما توجد أسباب متعلقة بالبيئة منها تلوث الهواء وتلوث الأطعمة والمواد الكيماوية المسرطنة والمبيدات الحشرية.. جميعها أسباب تسبب أمراضًا مزمنة.

• وما حجم انتشار تلك الأمراض؟
- الأمراض المزمنة غير المعدية في مصر تحقق انتشارًا كبيرًا، خاصة ارتفاع ضغط الدم والسكري والأورام، وهي الآن على أولويات الخريطة الصحية سواء وزارة الصحة أو منظمة الصحة العالمية من خلال وضع خطط إستراتيجية لمكافحة الأمراض المزمنة وافتتاح مراكز للكشف المبكر عن الأمراض، وقد تم وضع خطة شاركت فيها بالتعاون بين كلية طب قصر العيني ومنظمة الصحة العالمية.

• وما محاور تلك الخطة؟ ومتى تنفذ؟
- تحتاج إلى تمويل من مجلس الوزراء وفتح اعتماد لها، وفي انتظار إطلاقها من قبل منظمة الصحة العالمية، وهي تشمل 3 مستويات؛ أولها الجزء الوقائي وتعريف المصريين بأسباب الإصابة بها، فضلا عن إجراء مسح قومي لتحديد نسب الإصابة بها وحجم انتشارها الحقيقي في المحافظات من خلال دراسة ميدانية.

وتتضمن محاور الخطة تشخيص جميع الحالات المصابة التي لا تدري بإصابتها، خاصة أن تلك الأمراض تستمر لفترات طويلة مع المرضى ويمكن اكتشافها بالصدفة بعد سنوات من الإصابة؛ لذا من الضروري تشخيص الحالات وتوفير العلاج لهم وتجنب مسببات الإصابة بالأمراض وتوعية شباب الجامعات والأجيال الجديدة لمنع وجود إصابات جديدة بتلك الأمراض.

• وما حجم انتشار محددات الإصابة بالأمراض المزمنة؟
- محددات الخطر هي 5 عوامل، نصف المجتمع لديه سبب رئيسي، وهو السمنة والـ 50% الباقية من المجتمع لديهم سببان فأكثر من الأسباب، منها قلة الحركة والتدخين والسلوكيات الغذائية الخاطئة.

• وهل يتم على المستوى القومي مكافحة تلك الأمراض؟
- قديمًا لم تكن توجد خطط واضحة لمكافحة الأمراض، والآن أصبحت على أولويات الأجندة السياسية، وعلينا تعديل سلوك المواطنين في الحياة اليومية وخفض الوزن وعدم التعرض للتوتر العصبي والتدخين السلبي، وتجنب الكحوليات، إلا أن ذلك السبب الأخير غير منتشر بالمجتمع المصري، والأهم التركيز على مكافحة التدخين لأنه المصيبة الكبرى في تلك الأمراض. 

وحاليا نحن بحاجة إلى إعادة النظر في السياسات الصحية ودمج توعية بالأمراض المزمنة في مناهج التربية والتعليم، ودعم عدد من الوزارات منها الشباب والرياضة والتعليم العالي والمالية لوضع ميزانية مخصصة لتلك الأمراض في الاعتبار.

كما يجب إعداد رسالة صحية بسيطة سهلة الوصول إلى الأمهات والأسر لزرع تلك المبادئ لدى الأجيال الجديدة لتجنب الإصابة بمخاطر تلك الأمراض تزرعها الأمهات في الأبناء وفي مناهج الدراسة وتكبر معهم تلك المعلومات.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية