رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام بين الإثارة والجهل والدوجماتية


"سلطنة عمان إمارة صغيرة برعاية بريطانية"، و"الرجل المصري جنسي وغريزي بطبيعته"، والبحث عن السبق الإعلامي يسوق فريق برنامج بأكمله للاتهام بجريمة خطف أطفال.. ثلاثة أحداث قادة مقدمات برامجها إما للإيقاف أو للمحاكمة، هذه "السقطات والحوادث الإعلامية" وقعت لأسباب مختلفة لكنها تشير إلى خلل جسيم ليس فقط في طريقة تناول الموضوعات، ولكن بعضها يرتبط بشخصية الإعلامي نفسه.


فالإعلامية أماني الخياط، قدمت تحليلا عن سلطنة عمان، جاءت ببعض معلوماته من كتب قديمة، وفي ظل جفاف سياسي، ورغبة الإعلامية كما قالت في أن تكون برنامجها مختلف عن النشرة، فلن تأتي بمتخصص يكرر ما قد يسمعه المشاهد في نشرات الأخبار، فقررت أن تقدم لنا خلفية عن الدور "المكتوب" لسلطنة عمان، مع تكرارها لخطأ فادح هو اعتبار سلطنة عمان إمارة صغيرة.

الإعلامية التي قررت نقابة الإعلاميين إيقافها لمدة شهر لم تمتثل للتحقيق وظهرت على شاشة التليفزيون.

الإعلامية منى عراقي التي غلفت خطابها عن الرجل المصري بنبرة أو “Tone”لا تقل إثارة عن موضوع "غريزة الرجل" وكأن بينها وبين الرجل "تار بايت"، وهي لم تلحظ أن القضايا الحساسة تحتاج لمعالجة أكثر إتزانا من اللهجة التي استخدمتها، فلهجتها وغضبها من الرجل لن يحل مشكلة التي كانت تتحدث عنها.

كان أجدر بالإعلامية أن تبحث عبر برنامج إعدادها أو من خلال الدراسات الاجتماعية عن فئات الرجال التي تميل للتحرش الجنسي، والأسباب وراء انتشاره في مصر؛ لأن رجال مصر لا يتحرشون بشكل جمعي بالنساء في مصر، وإذا كانت الإعلامية كانت مدفوعة بكم الجرائم التي تسمع بها، فكان عليها أن تتحدث عن الجرائم وأسبابها. فحلقة البرنامج والطريقة التي تحدثت بها لن يحل القضية موضوع البرنامج.

أما الإعلامية ريهام سعيد فلهفتها وراء سبق إعلامي بإنقاذ أطفال تم خطفهم، أدى إلى اتهامها وفريق الإعداد بخطف الطفلين موضوع الحلقة.

وبالإضافة للسقطات التي شهدتها البرامج الإعلامية، انحدر الخطاب الإعلامي حتى أصبح السباب من مقدمي بعض البرامج "عادي"، فعل سبيل المثال، صب بعض مقدمي البرامج كم لا بأس به من السباب على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وفي ظل اختلال الموازين الإعلامية، لم يتم تحويل هؤلا مقدمي البرامج للتحقيق، لأنه من السهل عليهم أن يتهموا من يحولهم للتحقيق بأنه يؤيد عبد المنعم أبوالفتوح.. والمهنية تقتضي أن يتناول مقدم البرنامج بالتحليل أسباب القبض على عبدالمنعم أبو الفتوح أو أي شخصية، والجرم المتهم به هذه الشخصية، دونما أن يضيف مجموعة من السباب والاتهامات.

هناك مجموعة أسباب لما يحدث في بعض البرامج: أولا: البحث عن الإثارة: قد يكون السبب وراء ذلك لهث بعض الإعلاميين وراء نسبة المشاهدة والإعلانات، والبحث عن كل ما هو مثير لجذب انتباه أكبر قدر من المشاهدين.

ثانيا: شخصية الإعلامي أوالإعلامية: فالكثير من الإعلاميين يحتاجون لتأهيل نفسي حتى يكون لديهم ثبات انفعالي عندما مناقشتهم القضايا، والكثير منهم يناقش القضايا باعتباره "موسوعة" إعلامية، وسياسية، وثقافية متفوهة، فهم خبراء في السياسية، والرياضة، والجنس، والطب، والمرأة والرجل، وكل ما تشتهيه نفسك أو تحلم به.. الثبات الانفعالي مطلوب أيضًا حتى يعرف الإعلامي أنه لا يجلس على قهوة مع أصدقائه ليوزع السباب عمن يتحدث عنهم.

ثالثا: الجهل، فتسطيح الإعلامية أماني الخياط للدور الذي تلعبه سلطنة عمان، والمنهج السياسي الذي تتبعه، يمكن تفسيره في أنها تجهل الموضوع الذي تتحدث عنه، فلم يرسم أحدًا لسلطنة عمان دور الأخ الهادي، لكن السلطنة تبني سياستها على عدم التدخل في شئون الآخرين، وهي ربما من الدول القليلة التي لا تؤثر فيها الطائفية..

فالكثير من العمانيين ينتمون إلى الإباضية وهي أحد المذاهب الإسلامية، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى عبد الله بن إباض التميم، ومع ذلك يصلي السنة والاباضية معا في المساجد نفسها.. ولا أعرف لماذا لم تأتي الإعلامية بخبير في الشئون العربية أو واحد من أساتذة العلوم السياسية وتسأله الأسئلة التي تدور في رأسها، فالخبير السياسي كان سيصحح لها أقل أو سينبهها أن تكرار كلمة "إمارة" هو خطأ كبير.

رابعًا: قناعات الإعلاميين:. قناعات الإعلاميين تتحكم في كثير من الأحيان، إن لم يكن في معظم الأحيان، في الخطاب الإعلامي.. وقناعات الإعلاميين قد تختلف عن الخط الإعلامي للقناة، فلا يوجد مالك لقناة يوافق على أن يقوم فريق إعداد باختطاف طفلين، ولكن قناعة ريهام سعيد أو فريق إعدادها كان على غير ذلك.

من ناحية أخرى، إذا سلمنا جدلا أن ما قالته أماني الخياط عن سلطنة عمان ليس بسبب عدم المامها الكافي بالموضوع، فإن قناعتها بما قالته تخالف الكثير من الحقائق، وأولها أن عمان سلطنة وليست إمارة، ولا أعتقد أن مالك القناة سيقبل أن تطلق إعلامية في قناته تعبير أمارة على سلطنة عمان أو أن تستخف بالدور الذي تلعبه، ومالك القناة يعرف أن مصر تربطها بعمان علاقات سياسية وثيقة، مالك القناة لن يوافق على ما قالته منى عراقي، أو على الأقل على اللهجة التي تحدثت بها.

وفي رأيي البسيط، عندما تجف السياسة في أي بلد، ويتولى الأبواق الإعلامية من يحتاجون إلى تأهيل إعلامي وربما إلى أن يعرفوا أن هناك فرقا بين وجهة النظر، وبين الدوجماتية أو ما يطلق عليها (الدوغمائية) يمكن أن تفهم لماذا تجزم منى عراقي أن الرجل غريزي وشهواني بطبعه، ولماذا تكرر أماني الخياط كلمة "إمارة" على سطلنة عمان.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني وأن أرى هذا الإعلام اللاقيمي، هل أصبح من النادر أن تجد في مصر إعلاميًا يعتقد أن رأيه وإن كان يراه صائبًا، ربما يحتمل الخطأ؟
الجريدة الرسمية