رئيس التحرير
عصام كامل

شرق المتوسط وحروب الغاز القادمة!


كان الحديث –ولا يزال– يدور حول حروب المياه التي سوف يمر فيها العالم شئنا أم أبينا.. ولعل ما نتابعه هذه الأيام في بعض المدن الكبيرة في العالم، يؤكد أن الصراع للحصول على المياه قادم لا محالة إلا إذا فكر الجميع في وسائل تحول دون حدوث ذلك بالعلم والابتكار وترشيد الاستهلاك وضبط السلوك في التعامل مع قطرة الماء.


ورغم خطورة وأهمية المياه يطفو على السطح متغير جديد، ربما يغير قواعد الصراع ويعيد ترتيب أولويات الدول لبروز الطاقة المتمثلة في الغاز كهدف استراتيجي لدول العالم، وخاصة منطقة شرق المتوسط، حيث اكتشافات الغاز تتوالى وبكميات كبيرة سوف تعيد ترتيب الدول المنتجة للغاز من جديد، فتتغير اقتصاديات الدول الحائزة عليه في سنوات قليلة، وبالتالي تتغير موازين القوة، فتبرز دول في الإقليم وتتراجع أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى نشوء نزاعات إقليمية تتسع لتستقطب دولا كبرى تنحاز –بحكم مصالحها– إلى طرف ضد الآخر فيطول أمد النزاع وتتعطل مصالح الدول في تحقيق اكتشاف ثرواتها واستغلالها في تحقيق التنمية.

كان التساؤل –وما زال– من المتنطعين والموتوريين، وأصحاب الأجندات، والمنكرين لكل إنجاز يحدث على أرض مصر، ومن الذين يدعون ليل نهار لإسقاط الدولة، ومن الذين يتاجرون بكل شيء من الضمير حتى الوطن هو: لماذا نشتري كل هذا السلاح.. لماذا الرافال، والميسترال، والغواصات، وأنظمة متطورة من الدفاع الجوي، وصواريخ حديثة؟ ولماذا قاعدة محمد نجيب في المنطقة الشمالية وكأنها جيش في حد ذاتها؟ ولماذا ولماذا؟

قلنا منذ بدء الاتفاق على شراء هذه الأسلحة إن تنويع مصادر السلاح هدف استراتيجي، وإنه ملف كان محظورًا علينا تناوله وفتحه للخروج من دائرة السلاح الأمريكي المتأخر خطوة وربما خطوات عن السلاح الأمريكي لإسرائيل، وقلنا وكتبنا أن بناء قدرات الجيش المصري هو الضمانة الأولى لحماية حدود الوطن الذي يتوسط طوق النار، وأن تعظيم قدرات السلاح البحري لحماية مياهنا الإقليمية والاقتصادية الواسعة في الشمال والجنوب ضرورة وهدف استراتيجي لحماية ثرواتنا من الغاز والنفط في مياهنا الاقتصادية، حيث تم الإعلان عن أكبر اكتشاف للغاز في شرق المتوسط (حقل ظهر) وهو بداية لاكتشافات أخرى لا تقل أهمية عنه، وذلك بعد ترسيم الحدود مع قبرص.

وقلنا وكتبنا أن تعظيم قدرات سلاح الجو يؤمن لمصر الذراع الطولي لتحقيق تلك الحماية ويطوي المسافات البعيدة دون الحاجة إلى توقف، ويحقق الردع لكل من تسول له نفسه المساس بمصالحنا الحيوية.

وقلنا وقتها وقبل أن ترتفع وتيرة الصراع بسبب الغاز أن هذه المنطقة هي مسرح عمليات النزاعات الإقليمية القادمة، وأن السرعة في رفع قدرات قواتنا البحرية والجوية يعطي رسالة تحذير واضحة لما هو قادم.. وقد حدث بالفعل!

فالمنطقة الآن تشهد تحولات ضخمة وسريعة.. فبينما تتقلص داعش في العراق وسوريا ويتم إخراجهم خروجا آمنا دون القضاء عليهم تمهيدًا لنقلهم إلى بؤر صراع أخرى وقد حدث بالفعل.. كانت الوجهة هي ليبيا عبر تركيا ثم المتوسط، لذلك كان من المهم تأمين مياهنا بسلاح بحري قادر على الردع والمواجهة بالتنسيق مع الأصدقاء في قبرص واليونان، وقد تابعنا كيف ارتمى البهلوان التركي أردوغان مرة أخرى في الحضن الأمريكي بعد خلاف وهمي استمر ما يقرب من ثلاث سنوات ليتم الإعلان عن اتفاق تركي–أمريكي لإدارة مصالحهما داخل سوريا وينتهي بينهما الخلاف الواضح حول داعش والأكراد فيتم تسهيل مرور الإرهابيين إلى ليبيا وسيناء!

لم يكن رفع قدرات قواتنا المسلحة وتنويع مصادر سلاحها بأحدث الأسلحة من قبيل المنظرة أو الفخر بجيش يحوز تصنيفا عالميا متقدما على جيوش دول إقليمية في المنطقة، أو بقوات بحرية تحتل المرتبة السادسة وربما الخامسة الآن عالميا، أو بسلاح مدرعات يحتل المركز الثالث عالميا.. لكن الأهم بالإضافة إلى كل ذلك أن يظل الجيش المصري هو السيف والدرع لهذا الوطن، وأن يكون بقدراته العالية قادرا دوما على حماية الحدود والدولة الوطنية والثروات والأمن والسلم الأهلي، وأن يكون مشاركا وبفاعلية في حل أزمات الوطن الطارئة في الغذاء والدواء والسكن، وأن يكون قاطرة التنمية.. فهو جيش من الشعب وإلي الشعب.

في الأيام القليلة الماضية تابع العالم ونحن في القلب منه حجم التوتر الذي طرأ على دول شرق المتوسط، وماذا حدث من إسرائيل تجاه لبنان بسبب الغاز، ومن تركيا تجاه قبرص واليونان، والتهديد المباشر باستخدام القوة بين كل الأطراف حتى خرجت التصريحات السياسية والدبلوماسية وكأنها تصريحات حرب..

وتابعنا حركة الخارجية المصرية في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد مؤخرا وكيف كانت حركة وزير الخارجية واجتماعاته المهمة مع وزراء دفاع اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي، وكيف تساءل في كلمته أنه لا يجد تفسيرا لخروج أجانب داعش من الرقة عبر حدود دولية لتصل إلى ليبيا وسيناء والصومال بطائرات أمريكية رصدتها أقمار صناعية روسية، وتابعنا تهديد حزب الله لإسرائيل بشكل واضح إذا اقتربت من غاز لبنان، وتابعنا إصرار إسرائيل على ضم الجولان السورية المحتلة لها بشكل نهائي بسبب تقارير مؤكدة تتحدث عن بترول وغاز في أرض الجولان وامتدادها في لبنان!

كل هذه التداعيات والأحداث تشير إلى أن شرق المتوسط هو مسرح عمليات وربما حرب على وشك الاندلاع، وهذا يفسر لماذا كانت السرعة في رفع قدرات الجيش، والسرعة في إنجاز ترسيم الحدود مع قبرص، والضغط الشديد على شركة إيني الإيطالية للبدء في استخراج غاز حقل ظهر في زمن قياسي غير مسبوق ليصبح أمرا واقعا!

كل هذا وما زال البعض من النخبة الواعية يقولون لماذا نشتري السلاح، وما زال المغيبون والذين يطرحون أنفسهم على الشعب في مزايدات رخيصة يقولون ما كل هذا الذي يتم إنفاقه على الجيش؟ هؤلاء وهؤلاء لا يدركون أن الطاقة هي مفتاح التنمية بكل صورها، وأن الطاقة هي التي ستوفر لنا الماء اللازم للحياة من تحلية ماء البحر..

هل تسبق حروب الغاز والطاقة حروب المياه؟ سؤال تجيب عنه الأيام القريبة القادمة.. وسيظل المغيبون على حالة الإنكار التي يجيدونها! 
الجريدة الرسمية