رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عيد الربيع بالصيني‎


دعيت مؤخرًا، من قبل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، لزيارة تلك الإمبراطورية العملاقة، شعبًا، واقتصادًا، "جمهورية الصين الشعبية"، التي أصبحت الآن في مصاف أحد وأهم الدول الصديقة والشقيقة لمصر وللمصريين كافة.


ومنذ وصولى أنا وزملائي إلى أرض مطار بكين الدولي، وهو المطار الأكبر والأضخم، عالميًا، كان لافتًا مظهر النظام، والدقة الشديدة، واللباقة، في التعامل مع القادمين للبلاد، بداية من تسهيل الإجراءات، وحتى الخروج من المطار، مصحوبين بابتسامة ودودة، رأيناها مرسومة على وجه كل من صادفناه.

استدعيت إلى ذاكرتي هذه الزيارة التي لا تنسى من سجلات الحياة أبدًا رغم قصرها، مع بدء احتفالات أعياد الربيع الصينى أو رأس السنة الصينية، وهو اليوم الذي يلتئم فيه شمل الأسرة، والأقارب، وهو النسخة الصينية المعادلة لعيد الميلاد "الكريسماس" في الغرب؛ فهو أهم أعياد السنة، يعود فيه المسافرون إلى قراهم، وتتدفق الناس إلى المطارات ومحطات القطارات والسيارات، للسفر إلى مواطنهم البعيدة والقريبة.

يرجع تاريخ عيد الربيع الصيني إلى ما قبل أربعة آلاف سنة، لكنه وقتها لم يكن يسمى بعيد الربيع ولم يكن له يوم محدد حينذاك.. وقبل عام ألفين ومائة قبل الميلاد، كان الناس يسمونه بـ"سوي" ومع مرور الأيام صار الناس يطلقون عليه "نيان"، وكان "نيان" في ذلك الوقت يعني فيه الحصاد الوافر من كل محاصيل الحبوب.

وتمتد احتفالات عيد الربيع في الصين لأكثر من 40 يومًا متتالية، وتشمل الاحتفالات عروض رقص شعبية لـ 56 قومية صينية، في مظهر احتفالى كرنفالى يعانق السماء بالفوانيس الحمراء الشهيرة والمراوح، ممزوجة بعروض الرقص.

ووفقًا للعادات والتقاليد الشعبية في الصين، يبدأ عيد الربيع بالمعنى الواسع من اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثاني عشر وفق التقويم القمري الصيني، ويستمر حتى عيد يوانشياو الذي يصادف اليوم الخامس عشر من الشهر الأول في السنة القمرية الجديدة، ويستغرق ثلاثة أسابيع تقريبًا، وخلال هذه الفترة، تعتبر عشية اليوم الثلاثين من الشهر الثاني عشر ونهار الأول من الشهر الأول أهم نهار وليلة للعيد.

شم النسيم "الصينى"، كما يطلق عليه البعض، هو احتفالية كبرى يجتمع فيها الشعب بكل أطيافه المتعددة، وقبائله الكثيرة، للاحتفال بشكل يليق بروعة عيد الربيع وبتاريخ الصين العريق، فهو موسم العطاء والخير، وبداية السنة الصينية، فيجتمع كل أفراد الأسرة في عشية عيد الربيع، مع وليمة كبيرة بها أحلى الوجبات الصينية الخاصة، التي تحمل معاني البركة والسعادة والخير.

في صباح اليوم الأول من عيد الربيع يرتدي الناس الملابس الجديدة، ثم يقدمون التحية للمسنين أولا، ثم يقدمون ما يسمى لدينا "العيدية" ملفوفة في ورق أحمر للأطفال الصغار.

تزدهر السياحة في هذا العيد، وتنشط بطريقة سريعة، فما بين زيارة سور الصين العظيم، ومتحف الجيش الطينى "جيش تيراكوتا"، أو المدينة المحرمة، أو نهر "لي كروز"، أو تمثال "ليشان بوذا" العملاق، أو نهر "كروز اليانجتسي"، يحتار الوافد إلى البلاد أي المعالم يبدأ بزيارتها.

وتصف وسائل الإعلام كثافة حركة السفريات بين المدن والمحافظات الصينية في هذه الأعياد بـ "أضخم تنقلات بشرية على وجه الأرض".

ورغم تنوع الثقافات والأديان في الصين، فإن غالبية الشعب الصيني يتمتع بصفات عديدة مشتركة، وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "إيبوس موراي" عام 2014 وشمل نحو 1000 شخص تقاربًا كبيرًا في الطباع والآراء وأسلوب التفكير بين الصينيين، بالإضافة إلى التشابه الكبير من حيث المظهر.

وفى معنى الأخوة والصداقة لديهم، يقول "لي جانج" وهو دكتور متخصص في الفلسفة، وأستاذ في جامعة بكين: إن «هناك علاقة فريدة في المجتمع الصيني وهى الصداقة الأخوية.. إنها علاقة متينة وامتداد لمفهوم الأخوة "الكونفوشيوسي" في السلوك الاجتماعي"، ولهذا يعتقد الصينيون أن الإخوة هم تمامًا مثل الأيدي والأقدام ولهذا هم لا يدعون أصدقاءهم «إخوة» فحسب، بل يعاملونهم أيضًا مثل أخوتهم».

أما عن احترام العقائد والعرقيات، فيرى أحمد سلام المستشار الإعلامي المصري السابق لدى الصين والذي عايش المجتمع الصينى طوال ما يقرب من 15 عامًا، أن الحكومة الصينية مهتمة بتحسين أوضاع أبناء الأقليات العرقية وجهودها لتوفير أجواء أفضل لأصحاب العقائد الدينية، لإيمانها بأن هذا يكون في النهاية لمصلحة الوطن والمواطنين جميعًا، ولهذا فإن جميع الدساتير الصينية الأربعة، نصت على احترام وحماية حرية الاعتقاد الديني والمساواة بين مختلف الأديان والتعايش في وفاق فيما بين معتنقيها.

هذه هي طبيعة الشعب الصينى، احترام العقائد، والمعتقدات، والتعايش السلمي التام بين أفراده وطوائفه، الاهتمام بالعمل بأقصى طاقة ممكنة، الاحتفال والمرح بكامل أوقاته وساعاته، الاهتمام البالغ بضيفه وإكرامه وحسن معاملته، ورسالته في هذا، الابتسامة، والأدب الجم.

لم يكن غريبًا أن تفرض الصين، بمقومات شعبها نفسها بقوة على منظومة السباق العالمي، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، ويصبح «التنين الصيني» واحدًا من الدول الأقوى التي تحكم مؤشرات الصراع فوق ظهر البسيطة.. دولة عظمى قوامها الأساسي وعمادها: الشعب، العمل، الإنتاج.
Advertisements
الجريدة الرسمية