رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين قوتين


القوتانِ اللتانِ أقصدُهما هما: "القوةُ الغاشمةُ"، و"القوةُ الناعمةُ"، أمَّا الأولى.. فقدْ عبَّرَ بها الرئيسُ "عبد الفتاح السيسي"، في ظلِّ حديثِه عنْ الحرب على الإرهاب واجتثاثِ جذورهِ، في شمال ووسط سيناء، أو عمومِ أوكارِه في محافظاتِ مصر.. ولعلَّ "سيناء 2018" تطبيقٌ عملىٌّ لما نوَّه إليهِ الرئيسُ مرارًا وتكرارًا، ورغمَ أنَّ نفرًا منْ المزايدينَ انتقدوا هذا التعبيرَ يومئذِ، فإنهم أدركوا لاحقًا تزيدَّهم البغيضَ، عندما رأوا حصائدَ تلكَ العملية التي يضطلعُ بها رجالٌ أشداءُ آمنوا بوطنهم وبالدفاعِ عنه ضدَّ كلِّ عميلٍ وخائنٍ وخسيسٍ وإرهابىٍّ.


"القوةُ الغاشمةُ" لا يجبُ أن تقتصرَ فقط على تطهيرِ البلادِ منْ الإرهابِ ومن كلِّ من يحمل السلاح، ولكنْ يجبُ أنْ تشملَ كلَّ من فسدَ ويحرضُ على الفساد، ونهبَ ويحرِّض على النهبِ، فالفسادُ في مصرَ لا يزال حاضرًا وبقوة، إنه فسادٌ مُمنهجٌ، في المدرسةِ والجامعةِ، في المسجدِ والكنيسةِ، وفى عمومِ المصالحِ الحكومية.. أمَّا القوةُ الناعمةُ" بمفهومِها الشاملِ.. فإن مصرَ تفتقدُها منذُ سنواتٍ طويلةٍ، رغمَ أنها كانت صاحبة الباعٍ الكبيرٍ والسبقِ المشهودِ فيها عبرَ عقودٍ طويلةٍ.

ومن مفرداتِ "القوة الناعمة": الفنونُ والثقافةُ والإعلامُ، ولا يخفى على كلِّ ذي عينينِ أنَّ مصرَ شهدتْ تراجعًا مذهلًا في المجالاتِ المذكورةِ، وأصبح ما يتمُّ إنتاجُه منها مثارَ جدلٍ وغضبٍ وسخريةٍ واستهزاءٍ. واللافتُ.. أن هذا التراجعَ المُخزي، كما أثرَ فى صورةِ مصرَ في الخارجِ، فإن أثرَه السلبىَّ انعكسَ أيضًا على الداخل وعلى الأجيالِ الجديدة، ويبدو ذلك واضحًا في تراجعِ منظومةِ القيمِ والأخلاقِ عندَ المصريين.. ومصرُ تحتلًّ، خلال السنواتِ الأخيرة، مراكزَ متأخرة في جميع التقييمات والتصنيفاتِ العالميةِ والدوليةِ ذاتِ الصلة.

ويخطئ منْ يعتقدُ أنَّ لجنة هنا أو هناك قادرةٌ على أن تُعيدَ الشيء إلى أصلِه، أو تصلحَ ما أفسدَه الدهرُ، أو ترممَ ما أتلفه الذين يُخضعون كلَّ شيء لمنطق "البزنس" وقاعدة "الجمهور عاوز كدة".. ومنْ ثمَّ فإن مصرَ تحتاجُ، بالتوازي مع "القوة الغاشمة" التي تدكُّ حصونَ الإرهابيين، إلى استعادةِ "القوة الناعمة" بمفهومها العصرىِّ والمتكاملِ، مدعومةً برؤى وإستراتيجياتٍ متقدمةٍ، وليس من خلال من كانوا يتقنون ويُقنِّنونَ صُنع الفشلِ والإخفاقِ في فتراتٍ سابقةٍ، فالعقولُ الشائخة لا تبنى مجدًا ولا تصنعُ حضارة.
الجريدة الرسمية