رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور سعد الزنط: مصر ستواجه صراعين مقبلين.. الغاز في الشمال والمياه في الجنوب

فيتو

يرى الدكتور سعد الزنط، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، أن مصر تواجه صراعين في آن واحد، من خلال “صراع المياه في الجنوب والغاز في الشمال”، مع وجود رابط قوى بين الصراعين معًا.

وأكد، في حواره مع “فيتو”، أن تركيا تحاول باستمرار استدراج مصر نحو حروب وخلافات إقليمية ودولية، مستشهدا بما حدث من تطاول تركي على مصر فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص المبرمة عام 2013.

وأضاف الزنط، أن مصر بالفعل ضيقت الخناق الاقتصادي على تركيا من خلال إنتاج حقل ظهر للغاز الذي قطع على الثانية حلم امتداد خط الغاز الخاص بها حتى جنوب أوروبا.
ونوه إلى أن عودة العلاقات بين مصر والسودان لطبيعتها، ستحدث انفراجة في أزمة المياه خلال شهر على الأرجح.. وإلى نص الحوار:




> على الرغم من مرور نحو خمس سنوات على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، فإنه منذ أيام خرج وزير الخارجية التركي بتصريحات يؤكد خلالها عدم اعتراف تركيا بتلك الاتفاقية.. ما دلالة ذلك؟
هذا الأمر يرتكز إلى عدة أساسيات، أولا تركيا على خلاف كبير يصل إلى حد العداء مع مصر، ثانيا الاتفاقية أبرمت عام 2013 ولم تعترض تركيا عليها إطلاقا، على الرغم من أن الاتفاقية لم تعقد سرًا، فالجميع كان يعلم منذ مرحلة تعيين الحدود التي تسبق ترسيم الحدود، وهذا يعتمد على لجان فنية وقانونية، وبالأساس اتفاقية أعالي البحار الخاصة بالأمم المتحدة التي عقدت عام 1982، تركيا رفضت التوقيع عليها، فهي ليست عضوًا فيها، فهذا يعني أن الموقف التركي قانونيا ضعيف جدا، لكن في كل الأحوال هي من حقها كدولة أن تعترض لكن بالطريقة التي رسمها القانون الدولي.

> هل يمكن لمصر أن تستخدم تسجيل الاتفاقية رسميا مع قبرص في الأمم المتحدة عام 1982، كحجة على تركيا؟
مصر لن تلجأ للأمم المتحدة إلا إذا حدث نوع من التحرش الأكثر من سياسي، لكن تركيا إذا أرادت أن تشتكي للأمم المتحدة فلتفعل ذلك، لكن مصر عملت وفقا للجان فنية وقانونية منذ اليوم الأول لعقد الاتفاقية، وأودعتها في الأمم المتحدة، وهذا يعني تحصينها، فلن نلجأ للمنظمة الدولية إلا إذا حدث تحرش سياسي أو عسكري.

> تحدثت عن أن الأمر مجرد تحرش إعلامي بمصر.. هل تعتقد أن تركيا بالفعل يمكن أن تبدأ في التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، أم سيقتصر الأمر على التصريحات فحسب؟
لا طبعا، هي لا يمكنها التنقيب إلا في حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بها، لأنها لم تعين الحدود الاقتصادية بينها وبين قبرص أو اليونان، مصر عملت بها لأنها بالفعل أجرت عملية التعيين كما ذكرت قبل الترسيم، وبالمناسبة منذ أكثر من شهر تم عقد مناقصة للتنقيب عن الثروة في المنطقة الاقتصادية بالبحر الأحمر، بمعنى أنه لا تستطيع دولة أن تعمل في منطقة اقتصادية، إلا إذا تم تعيينها وفقًا للجان فنية.

من جهة ثانية، تركيا تحاول التحرش بمصر كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ربما كان ذلك من خلال إسرائيل أو أي دولة أخرى، لاستدراج مصر نحو حروب ومشاحنات، خاصة أن الأمر يتعلق بقبرص واليونان؛ وهما الدولتان الأكثر عداءً مع تركيا، ويجب أن ننتبه إلى أمر مهم، وهو أن تركيا حينما خرجت بهذا التصريح تزامن ذلك مع اعتراض إسرائيل على “البلوك لاين” الخاص بلبنان، أو اكتشافات المنطقة الاقتصادية اللبنانية.

> وما دلالة التصريحين معا في ذلك التوقيت تحديدا؟
هذا يعني أن هناك تنسيقًا بين تركيا وإسرائيل، وهذا بدوره يعني احتمالية وجود صدام بين قوتين، اليونان وقبرص ومصر وسوريا من جهة، مقابل إسرائيل وتركيا، هذا أمر في غاية الخطورة لكنه متوقع خلال الفترة المقبلة.

> هل تخشى تركيا من سعي مصر لإنتاج حقل ظهر للغاز الطبيعي واتفاقيات الغاز التي أبرمت بين مصر واليونان؟
بالطبع تخشى من هذا الأمر، لأن تركيا مهتمة كثيرًا بحقل “ظهر”، لوجود نتائج كبرى تترتب على إنتاجه، فالحقل ثاني أكبر حقل غاز في العالم، وهذا يقطع على تركيا هدفًا كبيرًا كانت تسعى إليه، فهي تحلم أن يمتد خط الغاز الخاص بها القادم من سيبيريا بروسيا حتى جنوب أوروبا عن طريقها، لكن إذا حدث وأنتج خط غاز، وهذا ما تفعله مصر الآن، فهذا سيجعل مصر تنشئ خط غاز بينها وبين جنوب أوروبا، مما سيقطع على تركيا خطا كلَّفها ملايين الدولارات لإنتاجه، فالذي أثار حفيظة تركيا أمران هما تعطيل طموحها أن يصبح كل غاز جنوب أوروبا عن طرقها، ثانيا أن الإنتاج الضخم من الغاز

> ماذا على مصر أن تفعل الفترة المقبلة لحماية حدوها الإقليمية في المنطقة الاقتصادية بشرق المتوسط؟
مصر ليس عليها أن تفعل، هي بالفعل فعلت، فنحن استعدنا الدولة مجددًا، وهذا يعني أن مصر على مقدرة عالية في التصدي لأي صراع، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، فأصبح لدينا نظام سياسي قوى ونظام واعٍ، وقوة عسكرية غير عادية، فمصر الدولة العاشرة عسكريًّا، والسادسة بحريًّا، ودون “الناتو” مصر أقوى، فمشكلة تركيا معنا أنها عضو بالناتو، بالإضافة إلى مراعاة مصر القانون الدولى في علاقاتها بالدول، فمصر ليست دولة مارقة أو خارقة للقانون الدولي، فهى لم تتطاول على قطر أو إيران أو تركيا.

> وماذا بشأن تركيا؟
تركيا “بتولع” في المنطقة، وأنا أخشى أنها تفعل ذلك من خلال دولة أخرى تستدرج المنطقة لحرب في الشمال، بعد أن ضاع حلم الخلافة من الأتراك في 30 يونيو، فهي ما زالت لديها حلم الخلافة، فأنا أعتقد أن الهدف الأكبر للأتراك هو استدراج مصر لحرب واستنزاف قواها، لكن النظام المصرى أعقل من أن يُستدرج عسكريًّا أو حتى سياسيًّا.

> تحدثت عن أزمة مصر مع المياه في الجنوب.. وزير الخارجية المصري اجتمع مع نظيره السوداني الأربعاء الماضي، كيف تقرأ هذه الخطوة؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم فصل هذا اللقاء عن الذي تم بالتوازي بين مديري مخابرات البلدين، وكان من المهم أن يجلس الجانبان مع بعضهما لوجود العديد من الملفات التي يشوبها الخلاف، على رأسها طبعًا أزمة سد النهضة وتبعية حلايب وشلاتين للسودان، فأنا لا أتصور أن يكون هناك صدام مع السودان، لكن في فترة من الفترات حدث نوع من التراشق الإعلامي بين الجانبين أزَّم الموقف، لكن في كل الأحوال الاجتماع كان مهمًّا جدًّا لأنه تم به تصفية الأجواء، والاتفاق على أن يتم الحوار الصريح بين الدولتين لإنهاء الخلافات المعلقة، وهذا أمر مهم بالنسبة لمصر، خاصة فيما يتعلق بملف المياه.

> كيف يمكن لاجتماع مديري مخابرات الدولتين أن يضيف أبعادًا جديدة للعلاقة في الفترة المقبلة؟
هذا يعني أنه سيكون هناك ترتيبات أمنية، وليست عسكرية ولا شرطية بين مصر والسودان، وهذا سيجنب الدولتين مشكلات كثيرة، فالذي يستطيع كشف العثرات والمشكلات التي يمكن أن تحدث أولا بأول هو جهاز المخابرات.

> إذن تتوقع حدوث انفراجة في الأزمة خلال الفترة المقبلة؟
بالطبع هذا احتمال وارد بشكل كبير، وهذا سيتم خلال الشهر الحالي، خاصة بعد دخول الجانب المخابراتي المصري والسوداني على خط الأزمة.

> وفيما يتعلق بالجانب الإثيوبي.. إلى أي مدى يمكن لها أن تمتثل للقرارات التي ستتخذ الفترة المقبلة؟
الجانب الإثيوبي لا وجود لخيارات أخرى أمامه، فلا بد أنه سيحل الأزمة، فهم على علم ودراية بأن مصر لم تنتهِ أوراقها بعد، فهناك ثلاثة سيناريوهات أمام مصر، الأول وهو دولة لدولة، أو الاعتماد على التفاوض المباشر، لكن هناك سيناريو ثانٍ وهو الاتحاد الأفريقي ودول الحوض والدول الأفريقية والضغط على الدول الممولة للسد، فضلًا عن الحل الثالث وهو الخيار العسكري الذي لا أظن أن مصر ستلجأ له في يوم من الأيام، وأنا على يقين أن الأزمة ستحل خاصة بعد عودة العلاقات بين مصر والسودان إلى طبيعتها، خاصة أن إثيوبيا لا تستطيع خوض حروب مع مصر، وعلى الرغم من تحسن أحوالها الاقتصادية، هي ليست لديها القدرة أن تدخل في صراع مع مصر، لأن مصر موقفها قوى وفقًا للقانون الدولي واتفاقيتي 29 و59 التي تعطي لمصر الحق في اللجوء إليه.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية