رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عاشوا هنا.. تخليد أسماء 100 من فناني الزمن الجميل بـ «باركود ولوحة ذكية»

فيتو

في لحظة يستيقظ الماضي من سباته الطويل، يمشي حثيثا بيننا، يتسلل إلى حاضرنا فيبعث من جديد، حاملا معه "روايح الزمن الجميل"، التي تملأ صدور كل من مر بهذا الاسم أو هذا المكان، والأماكن عادة خير حافظ لخبايا الذكريات.


"عاشوا هنا"، تسامروا هنا، مروا على الأحزان والأفراح هنا، ومن خلف جدران هذا العقار أو آخر دأبوا على إخراج كل ما هو جميل وحيوي ليصبح حتى لحظتنا هذه "باقيا هنا".

"عاشوا هنا" هو اسم المشروع القومي الذي سيخلد من خلاله أسماء 100 فنان وفنانة من الراحلين كمرحلة أولى، بكتابة لوحات تحمل أسماءهم يتم وضعها في المكان الذي عاشوا فيه، وعلى اللوحة "باركود" عند الدخول عليه نتعرف على معلومات كثيرة عن الفنان، ويتعاون في هذا المشروع عدة جهات منها جهاز التنسيق الحضاري بوزارة الثقافة، الذي يرأسه المهندس محمد أبو سعدة، مع مركز معلومات مجلس الوزراء، ونقابة المهن التمثيلية متمثلة في الدكتور أشرف زكي مع جمعية "أبناء فناني مصر للثقافة والفنون" برئاسة المستشار ماضي توفيق الدقن.

ويتضمن المشروع تعليق لوحات يبلغ عددها مائة لوحة، تعلق في مدخل العقار الذي كان يعيش فيه هذا الفنان أو ذاك المفكر، ملحقة بخاصية الـ "RQ أو ما يعرف بـ "الماسح الضوئي" الذي ما إن تقربه من كاميرا هاتفك، تنقلك إلى كافة التفاصيل المتعلقة بالفنان، متى ولد وكيف بدأ التمثيل ورحلته الفنية وتاريخ وفاته، فضلا عن عرض شرائح لصوره في مراحل عمرية متفاوتة.


تحكي إلهام الغندور، المنسق الإعلامي للمشروع كيف بدأ الإعداد لها "إحنا اتفقنا مع رئاسة الوزراء على أن اللافتة متكونش فيها اسم الفنان وتاريخ ميلاده ووفاته فحسب، لكن مركز دعم واتخاذ القرار بالمجلس خصص مهندسين إلكترونيين لعمل باركود لكل لوحة، ومن خلاله يمكن لأي شخص معه هاتف ذكي أن يدخل عليها ويعرف كل المعلومات عن الفنان بطريقة سليمة وكان دافعنا له، كم المعلومات المغلوطة التي انتشرت عنهم على النت، واليوم تم تعليق لوحة خاصة بعبد المنعم إبراهيم، وعلقنا عند منازل زهرة العلا ومحمد نوح والموجي ورشدي أباظة، ومكملين لحد إتمام الـ 100 شخصية".


"عاشوا هنا إعادة بعث لأرواح ذهبت لعالمها الآخر، وبدأت أعمالها وإنجازاتها تدهس تحت أقدام الأجيال الجديدة، التي لا تعي من هم نجوم ومفكري الزمن الجميل"، تتحدث "سمية عبد المنعم إبراهيم"، الابنة الكبرى لـ"سكر السينما المصرية" عبد المنعم إبراهيم، وإحدى عضوات جمعية أبناء الفنانين، التي خاطبت رئاسة الوزراء منذ نحو ثلاثة أشهر، بضرورة الحفاظ على ما تبقى من صناع الحقبة الماضية، "كنت حاسة إن بابا واللي زيه خلاص قربوا يتنسوا، علشان كدة اتفقت مع ماضي توفيق الدقن ومنال الصيفي ابنة زهرة العلا، والمنسقة الإعلامية للحملة إلهام الغندور، بضرورة ابتكار طريقة من خلالها يتم تخليد سيرة والدي التي كادت تنقطع وكأنه لم يكن!".


تقف أماني، الفتاة ذات السبع سنوات، مثبتة عينيها على اللافتة التي تحمل اسم الفنان عبد المنعم إبراهيم في مدخل العقار، تسألها "أنتي تعرفي مين عبد المنعم إبراهيم ؟" لتجيب "أيوة ده عصفور في فيلم طاقية الإخفا!".


وفي الطابق الثالث من العقار ذاته، تصدر أصوات ضحكات، تختلط وأصوات التلفاز، في الصالة التي تبدو وكأنها تعود لأكثر من خمسين عاما، يجلس الابن الأكبر للراحل توفيق الدقن برفقة "سمية" و"سهير" ابنتي عبد المنعم إبراهيم، يتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى المشهد الخالد للثنائي، كأنك تستمع في الخلفية لصوت الدقن يقول "العلبة دي فيها إيه"، ليرد صوت عصفور الرفيع: "فيل!"، يقول ماضي: "أنا جيت النهاردة علشان أشهد الحدث ده، أنا اتربيت هنا في بيت عبد المنعم إبراهيم، ولازم في يوم زي ده نكون متواجدين"، ينظر نحو صورة كبيرة الحجم، تتوسط حائط الصالة للراحل في أيامه الأخيرة، قبل أن يتوفى في خريف 1987.



تغالب سمية دموعها بينما تبدو "سهير" أكثر تماسكا، تنظر إلى اللافتة الذهبية التي ثبتت مساء اليوم عند مدخل العقار رقم 22 الكائن في منطقة المنيل، حيث سكن والدهما وصعدت روحه، "كل ذكرياتنا هنا أنا عيشت معاه عمري كله، من سنة 1958 لما جينا هنا، قررت إن شقته هتفضل مفتوحة، ولسه عايشة فيها، والنهاردة حاسة إنه رجع تاني"، تجتمع فتيات العقار حولهما، تتبادلن الابتسامات، تقول إحداهن مشيرة إلى الصورة التي تتوسط الـ "تي شيرت" التي ترتديه سمية "هو ده عبد المنعم إبراهيم".



في منطقة التوفيقية بوسط القاهرة، وفي العقار رقم 9، يجلس محمود ابن الأقصر يسرد تفاصيل الأمس لصديقه، "امبارح الساعة 2 جت منيرة أخت رشدي أباظة شالت اللوحة الرخام اللي كانت هنا وعلقوا مكانها واحدة بيقولوا عليها ذكية!"، شارع عرابي بوسط القاهرة تحول كليا نحو هذه اللوحة الصغيرة، "هنا عاش رشدي أباظة"، الفتيات تتندرن والرجال يقطعون أحاديثهم وينظرون إلى اللافتة، من جانبها تقول منيرة أباظة شقيقته: "الشقة دي عاش فيها رشدي آخر أيامه، ومنذ أن انفصل عن سامية جمال حتى توفي، كل ذكرياته هنا، كان بيحفظ أدواره هنا، علشان كده فرحت لما بلغوني إن فيه لوحة هتتعلق فيها إشارة بمكان سكنه"، تعيش الآن ابنة رشدي برفقة زوجها في الشقة ذاتها، بالطابق السادس لعقار 9 بعرابي.


أما في شارع العزيز عثمان بالزمالك، حيث كان يسكن الملحن "كمال الطويل"، فمنذ يومين حضرت المجموعة ذاتها، وعلقت لوحة أسفل عقاره، "العقار من يومين كان مزحوما على غير عادته، لأن هنا يسكن شخصية مهمة وممنوع التكدس، لكن يومها الناس استغربت، وكثير جدا وقفوا علشان مكنوش يعرفوا إن كمال الطويل كان عايش هنا ومن بعده ابنه الملحن زياد الطويل"، يتحدث سعيد حارس العقار.
Advertisements
الجريدة الرسمية