رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ محمد الغزالي يكتب: قصة الحياة

فيتو

في مجلة الجديد عام 1972 كتب الشيخ محمد الغزالى مقالا قال فيه:


لا أريد هنا أن أوقظ مشاعر التشاؤم في النفوس..ولكنى أريد وحسب ألا يفقد الإنسان اتزانه فيحسب أن الحياة شباب دائم ورضا موصول.

يقول تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ".

إن أصحاب العقول يجب أن تلفتهم هذه المراحل المتتابعة لقصة الحياة في عالم النبات، وكيف تبدأ زروعا يانعة، رائعة تكسو قشرة الأرض بشتى الألوان، ثم كيف تحمل صنوف الفاكهة وأنواع الحبوب، أو كيف تتفتح الأكمام عن الورود، والأزاهير تنفخ الجو بعطورها، وتسبى البصر بأصباغها.

هل رأيت البذور قبل أن تدفن في الثرى؟ لقد رأيت بعضها أشبه بحبات الفلفل الأسود، وأنكرت أن تكون هذه المواد أصل ما نلمح في الحدائق من زهر ناعم الخد، صارخ اللون نفاذ الرائحة.

لكن هذا هو الواقع من هذه البذور، ومن الطين الكدر الذي تدفن فيه، ومن المخصبات الحيوانية التي تخلط به وتخرج مقادير هائلة من السكر والنشا تشبع الضرورات الإنسانية.

ومقادير أخرى من الورود والرياحين ترضى حب الإنسان للجمال، ورغبته في متعة الحس ورفاهة العيش..ثم ماذا؟ ثم تأخذ مرحلة الشباب طريقها إلى الغروب، ويتحول العود الريان إلى حطب يابس، والزهر الفواح إلى قشر خفيف تذروه الرياح.

ألا يشعر ذلك بأن الحياة لا ينبغى أن يغتر بها عاقل، أو يتعلق بزهرتها لبيب.

والقرآن الكريم لم يطلب من أولي الألباب بعدما لفتهم إلى قصة الحياة بين الماء والزرع.. إلا أن يتذكروا فلا تطويهم أمواج الغفلة والذهول.. إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب.

لو تدبرنا لوجدنا أن كثيرا من الانحراف يعود إلى سكرة المرء بالحاضر، وغفلته عن الغد الذي لا بد منه.
الجريدة الرسمية