رئيس التحرير
عصام كامل

«سجن لويس التاسع».. مزار أثري يعاني الإهمال (صور)

فيتو

تذخر محافظة الدقهلية بالعديد من الآثار والمعالم التاريخية والأماكن السياحية والأثرية التي لها تاريخ حافل بالذكريات من أبرزها دار ابن لقمان التي تقع بشارع بورسعيد بمدينة المنصورة وهى أحد المباني الأثرية المهمة في التاريخ المصري.


تعد دار ابن لقمان في مدينة المنصورة أشهر دار ارتبط بها التاريخ الإسلامي؛ فهذه الدار شهدت أسر الملك لويس التاسع ملك فرنسا بعد معركة شرسة بالقرب من المنصورة، وتنسب هذه الدار لقاضي المدينة في هذا الوقت وهو القاضي المصري فخر الدين إبراهيم بن لقمان كاتب ديوان الإنشاء في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب.

وتحوي الدار على الكثير من اللوحات والمعلومات في منظومة تاريخية تجسد خط سير الحملة الصليبية على مصر ودمياط كما توضح الصور بها دور الشعب المصري في تحطيم الصليبيين.

وتقع دار ابن لقمان في وسط مدينة المنصورة في آخر شارع بورسعيد في الجهة المقابلة لشارع الثورة (السكة الجديدة) بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية أقيمت الدار على شاطئ النيل حينئذ ولكن بمرور الزمن ابتعد النيل عنها مسافة نحو 500 متر، وهي دار بنيت على الطراز العربي القديم المكون من السلاملك وهو سكن الرجال والحرملك وهو سكن النساء، ويرجع تاريخ بناء هذه الدار إلى ما يقارب من 1100 عام حيث أقيمت مع بدايات إنشاء الكامل محمد بن العادل لمدينة المنصورة عام 975م تقريبا حيث كانت المدينة عبارة عن جزيرة صغيرة يطلق عليها جزيرة الورد، حيث بدأ العمران بها وأصبحت مُلتقى للتجارة بين الأقاليم.

كان يجاور الدار عند بنائها مسجد كبير يطلق عليه مسجد الموافي نسبة للشيخ الموافي والذي كان يقيم حلقة علم به ودفن به، علما بأن الذي بناه هو الملك الكامل مع بداية تكوين المدينة وقامت وزارة الأوقاف باقتطاع جزء من حرم الدار لإقامة مئذنة كبيرة للمسجد المجاور لها دون التقيد بقواعد التخطيط العمراني أو الشكل الجمالي أو المكانة التاريخية بل أقامت حوائط خرسانية تخفي دار ابن لقمان تماما كمدخل لدار مناسبات.

وكان سمير سلام المحافظ الأسبق للدقهلية أصدر قرارا بإغلاق دار المناسبات التي أقيمت داخل الأثر‏،‏ إلا أن الإدارة الهندسية بقطاع الآثار الإسلامية اقتطعت جزءا من الأثر والحديقة وعمل سور يفصل المسجد عن الأثر وترك جزء من الأثر عرضة للاعتداءات رغم جهود المحافظة‏.‏

وتتكون الدار من طابقين على الطراز الإسلامي حيث نجد أن باب الدار عبارة عن باب كبير يصل طوله إلى ما يزيد عن مترين ومنقسم إلى باب آخر يحويه لا يتجاوز طوله الأربعين سنتيمتر ويقال أن الباب الصغير أنشئ خصيصا في قلب هذا الباب لكي يدخل الملك لويس محني الظهر إلى الأسر، يتكون الطابق الأول من قسمين، القسم الأول عبارة عن غرفتين تقع على يمين الداخل بكل منهما كوة صغيرة كانت عبارة عن نافذة تطل على الطريق ولكنها أغلقت منذ أمد طويل.

القسم الثاني وهو على يسار الداخل وكان مكون من غرفتين أيضا ولكن نظرا لتهدمهما فقد أعيد بنائهما على هيئة صالة متسعة اتخذت متحفا يؤرخ لتاريخ الحملات الصليبية حيث يوجد به صورة ضخمة تمثل معركة المنصورة أمام الصليبيين وأيضا تمثال نصفي لصلاح الدين الأيوبي وكذلك مجموعة من الأسلحة المستخدمة في هذا العصر من رماح وأسهم وخناجر ودروع.

يتوسط القسمين صحن كبير للدار به سلم خشبي يصعد للدور الثاني، وهذا الدور يتكون من غرفة واحد وهي الغرفة التي أسر بها لويس التاسع وتتكون من أريكة خشبية وخزانة في الحائط ونافذة مطلة على الخارج وكرسي ضخم، وأهم ما يميز الغرفة هو تمثال بالحجم الطبيعي للملك لويس والأغلال في يده وخلفه الطواشي صبيح وهو حارس كان يقوم بحراسته، وهكذا ارتبطت تلك الدار بصفحة من صفحات التاريخ الإسلامي حتى نقش فوق بابها أبياتا تحكي التاريخ والأحداث.

تأتي الأهمية التاريخية لدار ابن لقمان من كونها شهدت نهاية الحروب الصليبية على الشرق العربي، حيث أعلن لويس التاسع ملك فرنسا أنه سيقود غزوة صليبية هائلة "الحملة السابعة" بهدف الاستيلاء على مصر التي كانت تمثل العقبة الكبرى في طريق استرداده لبيت المقدس وتجمعت جيوش هذه الحملة في قبرص في ربيع عام 1248م وعلى رأسها الملك لويس التاسع نفسه ولكنها تأخرت هناك لمدة 8 شهور وصلت أثناءها أخبار الحملة إلى مصر عن طريق الإمبراطور فريدريك الثالث.

وحال توجه الحملة إلى فارسكور توفى الملك الصالح نجم الدين أيوب وافته المنية فأخفت زوجته شجر الدر خبر وفاته وتولى المملوك بيبرس البندقداري قيادة قوات المسلمين لحين عودة ابنه توران شاه من حصن كيفا الواقع على ضفاف دجلة، وتمكن بيبرس من هزيمة الفرنج في معركة المنصورة حيث أبلى العامة فيها بلاء حسنا وقتل في هذه المعركة روبرت كونت ارتوا أخو الملك لويس التاسع والذي كان على رأس الجيش بينما كان لويس التاسع عند مخاضة سلمون على بحر أشموم طناح في طريقه إلى المنصورة.

ووصل الملك توران شاه وتسلم قيادة الجيش المصري، وبدأ أعماله الحربية بالاستيلاء على جميع المراكب الفرنسية التي تحمل المؤن للمعتدين، وبذلك عرقل خطوط إمدادهم، فاضطرهم إلى التقهقر بعد أن نفدت ذخيرتهم وعتادهم الحربي فقرر لويس التاسع الرجوع إلى دمياط والتحصن بها ولكن قوات المسلمين قطعت الطريق عليهم وطاردوهم وأخذ يغير على الجيش الصليبي أثناء انسحابه تجاه دمياط، ثم طوقهم وسد عليهم طريق الانسحاب وانقضت عليهم قوات المسلمين قرب بلدة ميت الخولى عبد الله بالقرب من المنصورة

وتم أسر لويس التاسع ملك فرنسا ونقله إلى دار كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان، بلغ قتلى الصليبيين في هذه المعركة - كما يذكر المؤرخون - ثلاثين ألفا، فعرض التسليم وطلب الأمان لنفسه ولمن بقى معه من خاصة عساكره وحاشيته.

استسلم لويس لمصيره وأرسل أسيرا إلى دار إبراهيم بن لقمان قاضى المنصورة، واشترط المصريون تسليم دمياط، وجلاء الحملة عن مصر قبل إطلاق سراح الملك الأسير وغيره من كبار الأسرى، كما اشترطوا دفع فدية كبيرة للملك ولكبار ضباطه، ولم يكن أمام لويس إلا الإذعان فافتدى نفسه وبقية جنده بفدية كبيرة قدرت بعشرة ملايين من الفرنكات.

وبذلك سجن قائد الحملة الصليبية على مصر (1249 - 1250 م) بين جدران دار لقمان التي اعتقل داخلها لمدة شهر كامل بجزيرة الورد الشهيرة تقع بجوار المسجد الموافي وسط مدينة المنصورة.

واستنكر أبناء المنصورة تجاهل المسئولين لدار ابن لقمان منددين بوضعها الحالي السيئ، مطالبين بوضع الدار على الخريطة السياحية في مصر خاصة لأن الدار تعد مزارا هاما جدا لجذب السياح الفرنسيين.

كما استنكر الأهالي الغلق المستمر للدار، مطالبين بفتحها لأبناء مصر للتعرف على تاريخهم والافتخار به على أسس ومعالم واضحة.

وأوضح الأهالي أن معظم أبناء المحافظة محرومين من التجول والدخول لدار ابن لقمان دون إعلان عن السبب.
الجريدة الرسمية