رئيس التحرير
عصام كامل

«سيناء 2018» رؤية اقتصادية وتحليل استراتيجي


أجد نفسي تربط بين أمور عديدة مختلفة تحدث في مصر هذه الفترة، وآخرها تلك العملية الحربية الضخمة "سيناء 2018"، التي تنفذها القوات المسلحة وأجهزة الأمن المختلفة، في إطار التكليف الصادر من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية للمجابهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية الأخرى، بالتعاون الوثيق مع كل مؤسسات الدولة، حيث بدأت قوات إنفاذ القانون تنفيذ خطة المجابهة الشاملة للتنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء وبمناطق أخرى بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل..


إلى جانب تنفيذ مهام تدريبية وعملية أخرى على كل الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الاستراتيجية للدولة المصرية، وضمان تحقيق الأهداف المخططة لتطهير المناطق التي يتواجد بها بؤر إرهابية، وتحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف، بالتوازي مع مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير فى الأمن والاستقرار الداخليين.

وبالتالى أربط بين هذه العملية وإعلان أردوغان على لسان أوغلو وزير الخارجية التركي بتخطيط بلاده للبدء في أعمال تنقيب عن البترول والغاز شرق البحر المتوسط قريبا، وتأكيدات في تصريحات لصحيفة يونانية أن التنقيب عن الثروات وإجراء دراسات عليها يعد حقًا سياديًا لتركيا، وأن التنقيب سيكون بالطبع شاملا بعض المناطق المصرية التي بها حقل ظهر، زاعما أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص التي بدأت بمقتضاها مصر في الكشف عن الغاز شرق المتوسط لا تحمل أي صفة قانونية.

الربط يأتي من أن ذلك التحرش التركي بمصر محاولا الاستيلاء على مصدر الطاقة التي اكتشفته مصر وهو حقل ظهر بإمكانياته الضخمة، وبالتالي تدخل مصر منطقة الصراع مع الكبار في التحكم بمصدر مهم من مصادر الطاقة، وهو أمر ترفضه أمريكا وإسرائيل وبالطبع قطر وتركيا، وهؤلاء جميعا يستعدون للتحرش بمصر حتى لا تدخل النادي الخاص بأعضاء الطاقة العالمية، وحتى لا تقوى شوكتها، فيكون التدبير من خلال تصريحات من الجانب التركي للتحرش بحق مصر وطبعا يدعم هذا الجانب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية مع الإنفاق الضخم من قطر التي ليس من مصلحتها مطلقا دخول مصر في لعبة الغاز وتحكمها فيه.

فضلا عن منافستها لقطر في مصدرها الأساسي وهو الغاز، هنا تقام الخطة من خلال تحرشات خارجية تركية مع إعداد كتائب الإرهابيين في الداخل من الإخوان الإرهابيين وأذنابهم للقيام بعملياتهم التخريبية لعلهم يفلحون في تشتيت انتباه الجيش المصري وأجهزة الأمن، وفي الوقت ذاته تقوم تركيا من خلال قاعدتها الجديدة في جزيرة سواكن التي أخذتها هدية من الرئيس السوداني بتحرشات عبر البحر الأحمر، وأخرى عبر البحر المتوسط؛ مما يزيد من عبء المواجهة على الجيش المصري مع التحركات الإرهابية الداخلية، فيتم ما يحلمون به من فرقة مصر وعودة الأيام والحوادث السوداء في 25 يناير والسيطرة عليها..

وبالتالي يسلبون مصر حقها في حقل ظهر أو يسيطرون عليه، كما يحكمون مصر برجالهم الخونة من الإخوان الإرهابيين أو خونة ما يسمون أنفسهم بالنشتاء! والمعارضة الهدامة التي تتعاون من أعداء مصر ولا تريد لها استقرارا تحت قيادة الزعيم السيسي الذي يعلمون أنه إذا ظل في الحكم فسيعيد مصر لقوتها وفتوتها وأمنها وسيطرتها على الغاز، بالتالي يجب إبعاده عن الحكم بشتى السبل، فيشككون في الانتخابات ويدعون لمقاطعتها.. إلخ، تنفيذًا للأجندة التي وضعها أسيادهم بضرورة إبعاد السيسي للانفراد بمصر.

فالقصة كلها إذا قصة السيطرة على مصدر الطاقة وليس أكثر، وفي سبيل ذلك تتحطم الدول والشعوب، وهو ما حدث في سوريا التي استبيحت من كل الدول بسبب أن التخطيط الأمريكي الأوروبي كان يهدف لمد أنبوب غاز من قطر ليصل لدول أوروبا ويمدها بالغاز بدلا من الغاز الروسي، وبالتالي عزل روسيا وإخضاعها اقتصاديا، لكن العقبة في ذلك المد كانت في رفض بشار الأسد ذلك لأنه حليف روسيا؛ مما جعل أمريكا وقطر وأوروبا تتحالف ضد بشار لإسقاطه وتولية الإخوان الإرهابيين أو حليف لهم يسمح بذلك المد، لكن فهم روسيا لما حدث جعلها تدخل الحرب بجانب بشار..

ويصرح بوتين بأن ذلك الأنبوب لن يمد ولو بعد مئات السنين، لكن ذلك الأمر جاء على حساب دماء الشعب السوري الذي لم يأبه به أحد من القوى المتصارعة في سبيل المال والطاقة، فالطاقة صارت هي الأساس في النزاعات والحروب خاصة الغاز وهو ما ظهرت بوادره بين لبنان وإسرائيل فقد صرح وزير الطاقة اللبناني، سيزار أبي خليل، بأنه سيكون هناك تنقيب كامل في منطقة الامتياز البحرية رقم 9، التي يقع جزء منها في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، وتتبادل إسرائيل ولبنان التهديدات والإدانات بشأن العطاء، وسط تزايد التوترات بخصوص الحدود البرية والبحرية.

وقد تنبه الزعيم السيسي لكل ذلك من البداية، وعلم أن اكتشاف مصر للغاز في البحر المتوسط ودخولها طرفا أساسيا في معادلة الغاز سيجر عليها مشكلات ضخمة، ويطمع فيها الأعداء خاصة تركيا وقطر، فكان القرار بضرورة تسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة ومنها حاملتي الطائرات التي كان الهدف من الصفقة تحقيق التفوق العسكري لمصر ومساعدة الجيش في أداء مهام قتالية خارج حدود الدولة، وحماية المضايق وحقول الغاز المكتشفة حديثا في البحر المتوسط، ومساعدة بعض الدول العربية وحمايتها في حالة وجود أي تهديدات، ونقل معدات القتال والمروحيات لأي منطقة يحدث فيها ما يهدد الأمن القومي المصري أو العربي.

وقد صدعنا عملاء المخابرات الأمريكية والموساد من الإخوان الإرهابيين وأذنابهم من المدعين الثورة وهم مرضى بالتثور اللا إرادي دائم بأن ذلك التسلح والإنفاق عليه ليس مهما، والمهم سد البطون الجائعة فقط، وأخذوا يدينون تلك الصفقات من الأسلحة من مثل الطائرات الحديثة والغواصات الحديثة إلخ، تلك التي جعلت الجيش المصري يكون العاشر على جيوش العالم.

وها هو الموقف والتحرش التركي يؤكد صدق رؤية الزعيم السيسي، وضرورة وجود ذلك التسليح الذي يردع أي دولة من أن تفكر في الاستيلاء على حقوق مصر، ولولا ذلك لكانت تركيا الآن بمساعدة فعالة من أمريكا وتمويل قطر استولت على حقل ظهر.. وأجد أن الزعيم السيسي تنبه لإرهاب الداخل الممول من أمريكا وقطر لإثارة الفتنة والشقاق فكانت العملية "سيناء 2018" للقضاء على ذلك الخطر المحدق، وقطع يد المخابرات الأمريكية والإنجليزية والإسرائيلية والتركية بتمويل قطري وشلها من العبث بالأمن المصري، مع تحقيق التنمية المستدامة لسيناء بتشجيع الاستثمار فيها بعد إنهاء الإرهاب تمامًا منها..

كما كانت ضربة السيسي القاضية في إنهاء أزمة سد النهضة في دقائق معدودة وقد خرج من اجتماعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس السوداني ليعلن بنفسه انفراج تلك الأزمة، وبالتالي لا يجد أعداء مصر من الإرهابيين الإخوان وأذنابهم من المعارضة وعلى رأسها ذلك اللزج الذي كان أول من ذهب ليهنئ أول جاسوس مدني منتخب بالرئاسة، قائلا له بلزاجة منقطعة النظير: "وحشتنا يا ريس"، والآن يقف مع الإخوان الخونة في تنفيذ مخطط تدمير مصر وكانت شغلته الأساسية جمع المال بادعاء الناصرية.
الجريدة الرسمية