رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأوصياء


كان شعار "الشعب يريد" الذي انطلق في ميادين الانتفاضة العربية من تونس لمصر لليبيا لسوريا لليمن قولا حقا يراد به الباطل، إذ بدا وكأن هناك نفرًا من الشعب نصبوا من أنفسهم متحدثين باسم الأمة دون أن يوكلهم أحد، كل ما هنالك أن تلك الفئة امتلكت الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسائل للتواصل السياسي ورغم أنهم أقلية الأقلية، فإن تنظيمهم الدقيق جعل منهم فئة كبيرة لها صوت وراح الجميع يعملون لهم ألف حساب، بل إن هناك من راح يشتري ودهم ورضاهم بتوقيرهم والخضوع لهم بدلا من مناقشتهم..


ولهذا راحت تلك الجماعة ترهب معارضيها بوضع قوائم سوداء لهم حتى لا يجرؤ أحد على التصدي لهم، وكان يمكن أن يصل بعضهم إلى الحكم، فقد انطلقت الدعوات خلال تلك الأيام بتشكيل مجلس للرئاسة، وهي الفكرة الأمريكية التي نفذتها في أفغانستان والعراق، وبالفعل طرحوا عددًا من أسماء رجال أمريكا في مصر، غير أن المجلس العسكري كان منتبهًا للمخطط الأمريكي، وتم رفض الفكرة..

حاولوا كثيرًا وكان لهم ما أردوا حينًا من الزمن، حتى استعادت الأغلبية وعيها وبدأت الحقائق تتكشف تدريجيًا، ومع مرور الوقت بدأت شلة الأوصياء تتراجع وتختفي من المشهد، بعد أن فقدت صلاحيتها، وبعد أن أدى قيادتهم المهمة المطلوبة منهم، ولم تكن شلة اليسار هي الوحيدة في هذا النهج بل كان الإسلاميون هم الوجه الآخر لهم، فقد اعتقد منظروهم أن لديهم توكيلا من السماء لمنح صكوك الجنة والنار، وكان أن راح بعض البسطاء يعتقدون أن كل متدين هو بالضرورة إخواني، لدرجة أن البعض استبدل المسلم بالإخوان، مما أعطى لتلك الجماعة وزنًا وقدرًا لا يستحقونه..

وحدث أن الإعلام راح يصنف بجهالة أي متدين على أنه إخواني، لدرجة أن باسم يوسف قدم حلقات كثيرة يسخر فيها ممن يعارضون الإخوان سياسيًا ومنهجيًا بإثبات أن الإخوان مشروع سياسي مغلق، هدفه الوصول للسلطة بدون مشروع للحكم، وإن المشروعات الإسلامية المطروحة في المنطقة سواء كانت إيرانية أو تركية هي مجرد مظلة للمشروعات الاستبدادية الاستعمارية، وبات على من تم السخرية منهم الدفاع عن تهمة لم يرتكبوها أمام الجهل والتسطيح، والأخطر أن مشروع العدل الاجتماعي والحرية والمساواة والسلام وهي عماد وجوهر الإسلام متهمًا بفعل فاعل لخدمة المشروع الصهيو أمريكي..

وأصبح الإخوان والقاعدة وداعش هي النماذج المعتمدة لتصديرها للعالم، بل أصبح الرد على كل حادث إرهابي أنه ليس من الإسلام في شيء دون أن يجرؤ أحد في هذا المناخ المرتبك أن يقدم رؤية لصحيح الدين الإسلامي، وبات كل اجتهاد في هذا الاتجاه محل شك واتهام من الآخرين، حتى كادت هوية المنطقة أن تهتز بينما نشط الكيان الإسرائيلي، وببجاحة في إعلان اليهودية هوية لدولتهم العنصرية تكون مقرًا ليهود العالم وأرض الميعاد حتى وإن لم يطأوها.

ومن المنطقة إلى العالم والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة والتي تشكلت خلال الحربين منذ ٧٠ عامًا، وأصبحت هي الأخرى النموذج الفج للوصاية على العالم بتشكيل مجلس الأمن، وبإصرار الدول الكبرى على حق الفيتو لخمس دول فقط بدون أي تطور ومراعاة التغيير الهائل الذي غير كل المفاهيم بثورة التكنولوجيا الجبارة، حيث لا يزال صوت عضو واحد قادرًا على تحدي إرادة العالم كله بدون أي اعتبار للأغلبية وحقوق الدول المشروعة، ولا تزال دولة واحدة تصر على فرض العقوبات والحصار على الدول والأفراد المناهضين لسياستها..

بل عقاب من يخرق عقابها، وكلما علت الأصوات بإصلاح المنظمة الدولية لإحداث توازن في العلاقات الدولية وخلق منظمة جديدة تعبر عما وصل إليه العالم، يقف الفيتو بالمرصاد، وبينما تصدعنا تلك الدول بحقوق الإنسان والديمقراطية تُمارس أرذل انتهاك لحقوق الدول، وممارسة الديكتاتورية في العلاقات الدولية، وكأن الزمن توقف عند عصبة الأمم، والأمر هكذا فقد بات على الضمير الدولي إعادة صياغة كل منظومة عمل المنظمات الدولية، لكي تكون لدعم الدول والحرية وليس لتكريس ديكتاتورية الأقلية حتى لا يصبح هناك أوصياء على الإنسان في أي زمان ومكان.
Advertisements
الجريدة الرسمية