رئيس التحرير
عصام كامل

«عم ممدوح» كومبارس الواقع والسينما.. شارع عماد الدين بداية طريقي لـ«الشاشة».. ورأيت النجوم الكبار.. أحمد رمزي «ابن ذوات».. وهذه حكاية طعمية رشدي أباظة والنابلسي

فيتو

بابتسامة هادئة تشع أملًا وحياة، وبروح تملأ الدنيا سعادة، يقابلك كأنه طفل يمسك بالحلوى ويغنى «الحياه بقى لونها بمبى»، يعرفه الجميع بروحه الشابة الرافضة لكل محاولات الشيخوخة، يغنى رغم غياب سبب الغناء، يرفع صوته بالحب، يحتضن الجميع بين أضلاعه دون أن يحتضنه أحد.


ممدوح على إبراهيم، أو «عم ممدوح»، كما يحلو للجميع أن يناديه، ابتسامته تشعرك أنك أمام شاب في ريعان شبابه لم تحتل تجاعيد الزمن وجهه، «السرطان» تملك من جسده، دون أن يترك أثرا في روحه، فشلت كل محاولات العلاج، لكنه لمن ييأس يوما، وسط شقوق الألم في روحه نبتت زهرة تحيا له ويحيا لها.

رحلة الفن
يعرف «عم ممدوح»، كل مريدى مقهى «بعرة»، والمقاهى المحيطة، الغريب يكتشفه بمجرد رؤية ملابسة «المهذبة»، يحتضنهم جميعا، وهم كذلك، هناك عالمه الخاص، حلمه، حياته، بمجرد أن تقترب منه ويحكى لك قصته ورحلته مع الفن تنكشف أمامك الحقائق كاملة، وتتأكد أن كل ما اجتهد ليقنعك به ليس إلا قناعا يرتديه ليحيا ولا يشعر أحد بعجزه وضعف حيلته، يفتح قلبه ويزيل الغبار عن تفاصيل وأسرار تفضح كل شىء وتؤكد أنه كهل يحمل كفنه على يديه وينتظر موعد وفاته على أحر من الجمر، تندهش بعد سماع قصته وتسأل نفسك «كيف لهذا الوجه وتلك الروح المبهجة أن تحمل كل ذلك وأكثر وتصمد وتخرج للجميع بكل تلك الحيوية والحياة».

عماد الدين البداية
«كنت بنزل عماد الدين وأنا طفل».. بهذه الكلمات بدأ «عم ممدوح»، سرد رحلته في عالم السينما كـ«كومبارس»، واستكمل «وعلى بعرة وقهاوى عماد الدين شفنا فنانين كبار زى فريد شوقى وعادل إمام وسعيد صالح وزكى رستم ومحمد الكحلاوى وتحية كاريوكا وسامية جمال وشكرى سرحان وأكبر فنانى مصر العظماء».

عاد «عم ممدوح»، بذاكرته للماضى واسترجع الذكريات، ووصف نجوم الزمن الجميل قائلًا «كنتى تمدى إيديكى تسلمى يسلموا ووشهم بشوش ويفتحوا نفسك مكانوش متكبرين زى دلوقت واتعلمنا منهم الأخلاق وحب الفن وقعدنا معاهم واتعلمنا طريقتهم ولبسهم وحبيناهم حب تانى، بره الشاشة ده الواحد منهم كان يقف لك علشان يسلم عليك».

وما بين مقاهى عماد الدين وقهوة بعرة «ملتقى الكومبارس الأول»، بشارع سليمان الحلبى، و«ستوديو مصر»، كانت حياة «عم ممدوح»، يتابع النجوم الكبار ويحقق حلمه برؤيتهم ويصافحهم فيصافح معهم أحلامه، ويجالسهم فيشعر بأنه يتنفس فن ويضحك فن ويحيا حياة الفن بتفاصيلها الصغيرة، عرف طريق «الريجيسير» أيضًا خاصة المشاهير منهم مثل شمس وعلى وجدى ومحمد مرسي، وعن طريقهم عمل مع مخرجين كبار وكان أولهم محمود إسماعيل في مسلسلات «المنبوذ وبنت الحتة»، وكان عمره وقتها 9 سنوات، وفى عمر الطفولة عمل مع توفيق الدقن وشكرى سرحان وحسين صدقى.

ابن ذوات
تنهد قليلًا، وقال عن حلمه الضائع «أحمد رمزى كنت حاسس إنى هو واتعاملت معاه في وجه القمر ولما شفته طرت من الفرحة وخدته بالحضن واتأثرت علشان شعره كان وقع ومبقاش أحمد رمزى اللى نعرفه ولما كلمته اتأكدت أنه ابن ذوات بجد»، من حديثه عن أحمد رمزى يسهل استشكاف فرصه الضائعة «ضيعت فرص كتير علشان مكنتش بعرف أتنازل وأقدم حاجات غلط وكنت بتاع مشكلات في الحق طول الوقت وكمان والدى كان سبب وفاكر كويس أنه قالى عايز تشتغل في الفن أوعى تقولى لأنه كان شيخ وشايف الممثلين ناس بتشرب ووسط ضايع».

زاحمت دموعه كلماته عن الفرص الضائعة، وحياة الـ«كومبارس» التي بدأ وسينتهى عندها، لا يخفف من ذلك سوى محبيه في «بعرة»، ومقاهى عماد الدين.

طعمية رشدي أباظة
مرت لحظات صمت حزينة لم يقطعها سوى صوت ليلى مراد وهى تغنى «اضحك كركر أوعى تفكر»، والذي تسرب عن عناء من بين أصوات الأكواب وأحاديث رواد المقهى، ليعود قائلًا: «أحكيلك بقى على رشدى أباظة وأم صابر والنابلسى دى حكاية حلوة زى حلاوة زمان»: «كنت بحب أتفرج عليه في ستوديو مصر وجنب الاستوديو كان فيه واحدة اسمها أم صابر كانت بتعمل طعمية ورشدى كان بياكل من عندها ومرة شافه عبد السلام النابلسى وأكل معاه فعجبته وقال له دى كافيار مش طعمية ولما النابلسى شاف أم صابر والمكان اللى قاعدة فيه زى الخرابة قال له ودينى المستشفى يا رشدى وضحكوا، والنابلسى في الحقيقة كان دمه خفيف وإنف يعنى كان يجيب 20 كرافتة علشان يختار منها واللى تتحب من قعدتها برضه تحية كاريوكا كانت جدعة وست الكل فعلًا».

انتقل «عم ممدوح» من حكايات الماضى إلى مآسى الحاضر، والتي يعانى منها «كومبارس السينما»: «النهاردة ممكن نشتغل يوم كامل أو أكتر كمان وييجى في الآخر مساعد المخرج يقولك اللى مش عاجبه يروح وفيه سلالة طالعة مهزلة وضيعت كل حاجة».

«أول أجر خدته كان 6 جنيهات ونص وكان مبلغ وقتها ودلوقتى بناخد 200 جنيه ولا بتأكلنا حتى واتكلمنا كتير عن أوضاعنا ومشاكلنا لحد ما يئست والنقابة بقت منظر بس، رغم إنى عملتها أنا وإبراهيم عمران وطارق إبراهيم واتأسست في البداية على شكل جمعية لممثلى الأدوار الثانوية وكان نفسنا يكون لها دور بس للأسف بقت صورة بس ومبقناش عارفين نخدم حد».. لخص «عم ممدوح» بهذه الكلمات مشكلات «الكومبارس» وحلم النقابة الضائع، واستكمل «الشغلانة لمت وفيه ريجى كتير “ريجيسير” يعنى مش معتمدين والمفروض النقابة كانت تعتمدهم وتحط قانون يحمى الكومبارس وكلنا بنسأل ليه النقابة مش معانا؟ وبعد السنين دى كلها مش عارف السكة إزاى لأننا بننفخ في قربة مقطوعة ومش هتتملى أبدًا لازم يكون فيه كومبارس مثقف واحنا بنفهم لدرجة بقينا أغبيا ومش عايزين نفهم بقى كفايانا كده».

ارتشف بعض قطرات من قهوته الخاصة، وتابع: «فيه فنانين أخلاقها وحشة وكارهين نشتغل معاهم وبنشتغل بس علشان أكل عيشنا يعنى ممكن تيجى تقوله ازيك يتعالى وميردش ويحسسك أنه نبى منزل، رغم إننا عارفين بدءوا إزاى وبيزعلوا لما بنتكلم وكتير بوظنا شغل قبل كده بسبب مساعدين مخرج قالوا كلام خارج ومش بنتكلم علشان مش ورانا ضهر».

الموت في الشارع

وعن مأساة الفنانين والكومبارس قال «عبد العزيز مكيوى»، عرفناه في دور «على طه»، مات في الشارع فوق أكوام القمامة، بعدما راح عقله، دون أن تساعده النقابة، وتابع: «ممكن نقعد طول النهار وفى الآخر يقولك مفيش أكل ولا مواصلات وممكن يخلع وميقبضكش ومفيش حد تشتكى له ولو فيه نقابة بتعمل دورها كان الكل هيحترمنا».

واختتم حديثه بنظرات امتزج فيها الحزن وخيبة الأمل بقناع الابتسامه المفتعل، وقال بصوته المتهدج وهو يضع يديه على قلبه ويغالب دموعه: «خلاص استسلمنا ورفعنا الراية البيضا علشان نعيش ونلاقى ناكل لأن ملناش ضهر ومحدش بييجى في صفنا».

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية