رئيس التحرير
عصام كامل

جيشنا يحارب.. والاعلام والثقافة تهددان قيم المجتمع!


في جلسة بين الأزواج، أخذ كل منهم يروى المأساة التي يعيشها مع زوجته، وكل منهم يؤكد كفره بالزواج والنساء، إلا أن هناك زوجا واحدا، ظل صامتا مبتسما، وعندما سألوه عن صمته وابتسامته فقال: إننى اختلف عنكم تماما، الزواج رائع، والنساء أجمل هدية من السماء!.. بالتأكيد كانت مفاجأة وقعت على رأس الجميع من الأزواج الذين يلطمون على خدودهم، فسألوه: اشرح لنا كيف، فربما نكون نحن المخطئين!؟


أجاب بكل ثقة هذا الزوج السعيد: منذ تزوجنا اتفقت مع زوجتى على قاعدة وننفذها، هي المسئولة عن الأشياء البسيطة، وأنا مسئول عن المشكلات الكبرى.. فمثلا زوجتى مسئولة عن مصروف البيت الخاص بالأكل والشرب والملابس، ورعاية الأولاد في البيت والمدارس وكل مايخصهم، الزيارات العائلية وغيرها، الفسح أمتى وفين؟ الحاجات البسيطة دى!

ذهل الأزواج من كلام صديقهم وكاد يقتلهم الفضول لمعرفة الأشياء الكبرى التي يتابعها ويكون مسئولا عنها فقال: عندما تحدث مشكلة بين روسيا وأمريكا مثلا، أو الصين واليابان!..

صمت الجميع ثم انفجروا في الضحك، الحقيقة تذكرت هذه القصة واضحة الرسالة، عندما وجدت أول خبر يتصدر أكثر من موقع، جريمة خيانة زوجية وجريمة قتل، العاشق سبعة عشر عاما، الزوجة العشيقة أربعة عشر عاما، القاتل الزوج عشرون عاما ومعه والده! جريمة كاشفة للتراجع في كل قيمنا، في هذا المكان كتبت مرات عن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع، الذي أصبح المعلن منه فقط أكثر من 40%، وهناك تقارير تشير إلى ما خفى كان أعظم!

السؤال: ما العلاقة بين الزوج السعيد وجريمة الخيانة والقتل وارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع؟

 الشىء الذي يربط الجميع "الغياب"، غياب الجميع عن دوره، الزوج الذي ترك أسرته بكل مسئوليتها في رقبة زوجته، وذهب لمتابعة المشكلة التي تهدد العالم، ومثله يغيب عن أسرته لأنه يتابع مباريات كرة القدم، وغيره غائب لسفره لجمع المال، ورابع يغيب لعجزه عن التواصل مع أسرته..إلخ تتعدد الأسباب والغياب واحد!

الغياب ليس غياب جسد فقط، بل غياب دور التربية والإعلام والثقافة، غياب القدوة للجميع!..

في حالة جريمة الخيانة والقتل، لو فكرنا فيها قليلا، ماذا تعرف زوجة عمرها أربعة عشر عاما جاهلة بكل شىء؟ ماذا تنتظر من مراهق عمره سبعة عشر عاما الفقر والجهل يأكلانه؟ والزوج عشرون عاما لا حول ولا قوة، هذه الجريمة ليست حالة خاصة ولكنها منتشرة في كثير من المناطق في ربوع مصر، ماذا قدمنا لهم؟

الإعلام.. الثقافة.. التربية والتعليم.. القدوة في البيت؟ مستحيل الأسرة التي تقبل زواج ابنتها وعمرها أقل من أربعة عشر عاما ممكن أن يكون فيها قدوة صالحة، بل مؤكد فاسدة، ونفس الأمر ينطبق على الزوج القاتل، الذي زوجه والده طفلة أقل من أربعة عشر عاما  ولا يمكن أن يكون أبا يصلح قدوة أساسا؟!

في هذا المكان حذرت مما تبثه الدراما التليفزيونية، كانت البداية عندما استوردنا دراما لا تناسب قيمنا وأتاح لها تليفزيون الدولة العرض بشكل واسع، وكلنا نتذكر مسلسل "الجرىء والجميلة" والذي قدم علاقات غير سوية في قالب أثار الانبهار، وأذكر فقط تزوج الأب والابن امرأة واحدة، وهذا ترفضه كل الرسالات السماوية، الخيانات بين الإخوة وطرق التعامل معها في هذا المسلسل، هذا أوصلنا إلى أحد المسلسلات، التي تذهب زوجة بصحبة ابنة خالتها لمقابلة عشيق لها ومعها طفلها، ومسلسل آخر يرى الخيانة حرية شخصية له وللزوجة التي يرافقها، وعندما يواجهه صديقه لماذا لا تطلق وتتزوجها؟ يرد أنا لست مقتنعا بالزواج أساسا!

في مسلسل الطوفان الذي يتحدث عنه الكثير من الناس كتبت الفنانة التشكيلية ريم عثمان: أنا بجد اتصدمت ومش مصدقة هو في طمع للدرجة دي وبالبشاعة دي، زوجة أحد الأبناء تقول له هو وأخواته "خلي أمكوا تنفعكوا هي يعني فاضل لها كام سنة "!، وزوجها الابن واقف ولا رد عليها ولا باقي الأبناء.. الله يلعن أبو الفلوس والورث!.

أي قيمة يمكن أن تتسرب في مفاصل المجتمع الضعيفة من هذا الموقف اللإنسانى!؟

بل إن الأستاذة عايدة محمد إبراهيم تعلق على هذا المسلسل وتربأ بمؤلفه الكاتب الكبير بشير الديك أن يكون مؤلفه، وتقول: لا أتخيل أن يكون الشر هو المحرك الوحيد لأحداث المسلسل، والغريب الشيطان ينجو هو!..

أيضا في آخر ما كتبه الراحل محمد صفاء عامر مسلسل "حق مشروع " حدثت فيه كارثة عندما جعل صاحب الحق قاتلا وسىء السلوك مع أسرته وشقيقه الوحيد وأهل بلده، وهو فى الأصل ليس صاحب حق، وهناك الكثير والكثير الوقت لا يتسع لسرده، ومن المؤكد أنه لا يمكن إغفال السفر إلى الخارج بدعوى "البحث عن لقمة العيش" وترك الزوجة والأبناء، اعتقادا أن المال يكفى لبناء الإنسان، ولكن هذا الغياب أحد أهم عوامل تدمير الأسر..

إذن الغياب بأشكاله سواء البيت والقدوة.. التربية والتعليم.. الإعلام.. الثقافة.. كل هذا يساهم في هدم البنية الأساسية للمجتمع، بكل قيمه وتظهر الجرائم بصورها الغريبة الصادمة.

ونعود إلى الزوج الذي يهتم بالمشكلة التي تهدد علاقة روسيا بأمريكا أو الصين باليابان، هناك شريحة الآن يمكن أن تجدها في الإعلام، في الكافيهات، المقاهى، أو أي تجمع، يتحدث مهموما بقضايا العالم من ثقب الأوزون والحياة في الكواكب الأخرى وحتى سعر الفجل والجرجير، وإذا سألته عن أبنائه في أي عام دراسى، أو زوجته، فإنه لا يعرف شيئا عنهم.

لا أعرف ماذا سيقول القارئ عن موضوع أرى أنه البنية الأساسية لأى مجتمع، وقد يراه البعض يتراجع أمام خوض قواتنا المسلحة حربا ضروس منذ صباح أمس لتطهير سيناء من الإرهاب الأسود الذي يلتحف بثوب الدين الإسلامي.. نحن وراء قواتنا المسلحة بكل ما نملك، وحياتنا فداء تراب مصر.. وتحيا مصر
الجريدة الرسمية