رئيس التحرير
عصام كامل

المصبغة الإيرانية بعابدين.. ياما في جراب الذكريات يا حاوي (صور)

فيتو

في منطقة عابدين بالقاهرة، حيث يتكدس المواطنون وترتفع الأصوات، افتتح الحاج فؤاد فتوح في أربعينات القرن الماضي مصبغة ورفع عليها لافتة خشبية مكتوب عليها "المصبغة الإيرانية" ذات لون جذاب، جعل كل من يمر بالشارع، يترك كل شيء حوله ويتساءل "إيه المصبغة الإيرانية دي؟! ".






في عام 1945، كان موكب الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق الأول برفقة زوجها "شاه إيران" يمر من أمام مصبغة الحاج فؤاد فتوح المتواضعة، التي كانت وليدة المنشأ لدرجة أنها لم تكن حينها حصلت على اسمها بعد "لما تكرر مرور الشاه من هنا للوصول لقصر عابدين، ولأن الصبغات اللي كان بيستخدمها لصبغ الملابس والسجاد كانت صناعة إيرانية، قرر يسميها المصبغة الإيرانية رغم أنها أول مصبغة مصرية في المحيط كله"، يتوسط نبيل فؤاد، 62 عامًا، أرضية المصبغة جالسًا خلف كرسي والده، مستعيدًا ذكريات تعود لأكثر من سبعين عامًا: "أنا أصغر إخوتي اتولدت وقت افتتاح المصبغة، لكن قررت أحافظ على اسم أبويا طول عمري".

  

ما زالت صورة فؤاد الذي عمل منذ صغره في مجال صباغة الملابس، تلك الحرفة التي اختص بها الأجانب دون المصريين، عالقة بالجهة الشمالية بالمصبغة، فالحداثة التي تسللت إلى جنبات المكان، لم تستطع الوصول إلى الصورة العتيقة واللافتة وعداد الكهرباء!، "عداد الكهرباء لسه باسم اليهودي اللي كان مالك المحل قبل والدي بسنوات، لم نغير شيئًا"، فقط اكتست الأرضية بالسيراميك، وانتصف الحائط المواجه للمدخل باب "ألوميتال" كبير، يقول نبيل : "أولادي اللي أصروا نغير ديكور المحل لأنه قبل كدة كان مكتظ بالدواليب الخشبية والمنظر كان كئيب".



في الماضي البعيد، كان للمصبغة الإيرانية الكائنة بشارع عابدين، اسم لا يخطئه كل مار بالشارع، الزبائن كانوا يتنافسون على دخول المصبغة لإعادة تلوين ملابس أو سجادة، خاصة في فصل الشتاء، فعلى حد قول نبيل، فصل الشتاء هو موسم الصباغة الأكثر رواجًا، نظرًا لثقل خامة الملابس التي لا تستطيع الغسالات بالمنازل استيعابها، "كان شغال هنا نحو عشر عمال منهم والدي وعمي، مات فوق الأربعين عامل من هنا، كانت أجيال بتسلم أجيال"، تسترق الدمعات طريقها إلى عيني نبيل، بينما يتحدث عن ذكرياته وأقاربه في هذا المربع الصغير "أول مرة نزلت اشتغل هنا مع والدي وعمي كنت في الجامعة، أنا دارس حقوق وبشتغل حاليًا في محكمة النقض، لكن ده ممنعنيش أواظب على الحضور خاصة بعد وفاة والدي سنة 1980".

  

الكساد ضرب بيد من حديد المصبغة الإيرانية، فبعد صفوف الزبائن أصبح نبيل والاثنان اللذان يساعدانه في العمل، بالكاد ما يجدوا زبونًا واقفًا أمامهم يريد صبغ قطعة ملابس، "زمان كنا بنجيب كيلو الصبغة بـ خمسة جنيه، دلوقتي بقى بـ300 جنيه وكلها بودرة ورديئة جدًا، من وقتها اضطرينا نرفع السعر فبقت القطعة المصبوغة تبدأ بخمسة جنيه، والزبون شايف إن ده سعر غالي! ".
الجريدة الرسمية