رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ الكامل الوارث المحمدي


ولا يزال حديثنا عن أصحاب البصمات في حياتي التي لم ولن تُنسى، وما زال الحديث عن شيخي وأستاذي الشيخ "البيه" صاحب البصمة الروحية في حياتي رضي الله عنه وعن علمه الرباني، وحواراتي الروحانية الشيقة معه، والتي أتذكرها جيدًا، والتي كانت بمثابة منهج سلوكي في طريق الله تعالى، سألته يومًا عن الشيخ المربي "الكامل" الذي يسلم له المريد نفسه ويكون بين يديه كالميت بين يدي المغسل، فقال:


الشيخ الكامل والوارث "المحمدي" له ثلاثة أركان وأربع فرائض وإثنى عشرة صفة، الأركان الثلاثة هي: أن يدل على الله تعالى بأقواله وأفعاله وأحواله، وهو كما قال العارف بالله ابن عطاء الله السكندري، شيخك من يدلك على الله بمقاله وينهض بك حاله، وأما عن الفرائض الأربع هي، أن يكون عالمًا بعلوم الشريعة، فقيهًا بالأحكام، عالمًا بما تصح به العبادات والمعاملات، وذلك لأن الأصل في سلوك طريق الله تعالى، وانتهاج منهج التصوف الصحيح الشريعة الغراء..

وأن يكن قد سلك الطريق إلى الله وقطع صفات النفس السبع، وهي الأمارة، واللوامة، والملهمة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، وارتقى إلى النفس الكاملة التي منحت إذن الدخول على ربها ومولاها عز وجل، وهي المخاطبة من الله تعالى بقوله سبحانه: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي".

وأن يكون صاحب حكمة متحققًا صاحب نور بصيرة يعلم أمراض النفس وعللها الباطنة، ويعرف دواء كل داء، وأن يكون عالمًا بالطبائع حتى يعطي كل مريد ما يناسبه من أسماء الله عز وجل.. والبشر على أربعة طبائع هي، الترابي، والمائي، والناري، والهوائي.

وكذا الأسماء الحسنى المنسوبة لله تعالى على أربعة منها، الجمالية، والجلالية، والرحمانية، والكمالية، ولكل طبع ما يناسبه من الأسماء..

هذا بالنسبة إلى علم الشيخ المربي ومعرفته وتحققه، وأما بالنسبة إلى صفاته الإثنى عشرة فهي كالتالي: صفتان من الله تعالى وهما، العلم والسر، وصفتان من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهما، الشفقة والرحمة، وصفتان من سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهما، الصدق والتصديق، وصفتان من سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهما، الزهد والشجاعة..

وصفتان من سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وهما، العفة والكرم، وصفتان من سيدنا الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه وهما، العلم والعمل هذا بالإضافة إلى صفتين وهما القنع والرضا، هذه هي الصفات الواجبة للشيخ المربي الذي سماه الله تعالى بالخبير في قوله تعالى: "الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا"..

ثم قال لي رضي الله عنه: "يابني مثل هذا الشيخ قلما يوجد في هذا العصر فقد ندر وجوده، فغالبية مشايخ العصر مرضى بحب الدنيا وحب الدينار والدرهم وجب الظهور وقلوبهم مليئة بالأغيار، هذا الكلام مضى عليه أكثر من خمس وأربعين عامًا، هذا ومما لا أنساه ما قاله لي يومًا وهو يوصيني بالحذر من النفس، قال لي: "إياك أن ترضى عن نفسك يومًا وإن بلغت مراتب الكمال، وكن لها متهمًا دائمًا بالتقصير والنقصان"..

وقال: "عليك أن ترضى وإياك أن ترضى عن نفسك، عليك أن ترضى بقسمة الله وقدره وإياك أن ترضى عن نفسك وإن بلغت الكمال، وقال: "احذر من الشيطان مرة ومن نفسك ألف مرة"، وقال: "سلوك الطريق يكمن في مجاهدة النفس ومخالفة هواها"، وقال: "الشيطان حليف النفس الأمارة وهي أخطر من سبعين شيطانا وجهادها هو الجهاد الأكبر".

وفي الحديث: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها لأقوى من سبعين شيطانا"، والنفس محل الأنا موضع الكبر والتعالى والغرور، فاعمل على تزكيتها بالمخالفة والاستقامة والاشتغال بذكر الله ومصاحبة الصالحين، وعليك بالجوع حتى تكسر شهوتها، والصمت حتى يلقح فكرك ويصفو ذهنك، وقلة النوم حتى تصهر روحك وتضعف طينتك".

هذا والحديث عن الشيخ يطول فرضي الله عنه وجازاه الله عني وعن أمثالي من طلاب الله تعالى خير الجزاء، وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية