رئيس التحرير
عصام كامل

نص كلمة أمين اتحاد المصارف العربية بمؤتمر مخاطر التكنولوجيا الحديثة

فيتو

قال وسام فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، إننا نناقش إحدى أهم القضايا التي تشغل اليوم المجتمع المالي والمصرفي اليوم، سواء من حيث الفرص التي توفرها، أو بالنسبة للمخاطر التي تمثلها، ألا وهي اعتماد التكنولوجيا وتطبيقاتها المختلفة في الصناعة المصرفية.


وأضاف في كلمته بمؤتمر مخاطر التكنولوجيا الحديثة في غسل الأموال يشهد العالم اليوم عملية انتقال متسارع مما يُسمى بالاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد غير النقدي، وذلك بفضل التكنولوجيا المالية، وما توفره من أدوات وآليات لتخفيف الاعتماد على النقود الورقية، والانتقال إلى الاعتماد على النقود الإلكترونية والمشفّرة.

وأشار، لكن اسمحوا لي في البداية أن أُعرّف ما هي التكنولوجيا المالية.(Fintech)

عرّف مجلس الاستقرار المالي (FSB) التكنولوجيا المالية بأنها:
“Technologically enabled financial innovation that could result in new business models، applications، processes، or products with an associated material effect on financial markets and institutions and the provision of financial services”

وبالعربية تعني: "الابتكار المالي ذي التمكين التكنولوجي، الذي يمكن أن يؤدي إلى نماذج أعمال، وتطبيقات، وعمليات، أو منتجات جديدة، ذات تأثير ماديّ على الأسواق والمؤسسات المالية، وعلى توفير الخدمات المالية".



وقد ازداد استخدام مصطلح الـFinTech بشكل كبير جدًا في السنوات الأخيرة، وهو يستخدم لوصف مجموعة واسعة من الابتكارات والتطبيقات.

وبالنسبة لحجم قطاع التكنولوجيا المالية، فلا يزال من الصعب حتى الآن تحديد حجمه ونِسب نموه وأثره المحتمل على الصناعة المصرفية، لكن بحسب ورقة استشارية صادرة عن لجنة بازل في شهر /أغسطس الماضي، فإن أحد مقاييس النمو الذي يمكن استخدامه لمعرفة حجم هذا القطاع هو الـVenture Capital Investment في شركات التكنولوجيا المالية.

وفي هذا المجال، أظهر تقرير صادر عن KPMG أنه خلال العام 2016، بلغ الاستثمار في شركات الـFinTech حول العالم 13.6 مليار دولار.

كما أشار تقرير صادر عن
International Organization of Securities Commissions
إلى أن حجم الاستثمارات التراكمي في التكنولوجيا المالية حول العالم لغاية شهر نوفمبر 2016 قد زاد على 100 مليار دولار، في أكثر من 8800 شركة.


وأكد أن المصارف تبحث اليوم عن طرق الاستفادة من اعتماد التكنولوجيا المالية في عملياتها، لكن وبحسب ورقة بازل، فإن المصارف لا تزال تركّز في المقام الأول على تطبيقات الـ FinTech في عمليات المدفوعات. ومع ذلك، فإن المصارف تتطلع على نحو متزايد لاستخدام التكنولوجيا عبر "سلاسل القيم" (Value chain) بأكملها، لكن اختيار التكنولوجيا المالية المناسبة والتطبيق الناجح لها، لا تزال تشكل تحديًا للمصارف، خاصة تلك التي لديها "ثقافة ابتكارية ضعيفة".



أما بالنسبة إلى المصارف العالمية الكبيرة فهي تستخدم عددًا كبيرًا من المقاربات للتعامل مع التكنولوجيا المالية، وهي تأمل في خفض تكاليفها على المدى الطويل، مع الحفاظ على حصتها السوقية وذلك عبر تقديم منتجات مصرفية مبتكرة لعملائها.

تمثل التكنولوجيا المالية Fintech وتطبيقاتها المختلفة فرصًا وتحديات في الوقت عينه للمصارف والمؤسسات المالية والجهات الرقابية والإشرافية.

لذلك، يتوجب على المصارف والجهات الرقابية النظر في كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على سلامة ومتانة النظام المصرفي، وتطوير الابتكار في القطاع المالي والمصرفي.


ومن شأن هذه المقاربة المتوازنة تعزيز سلامة المصارف والاستقرار المالي، وحماية المستهلك، وتعزيز الامتثال
اسمحوا لي أن أستعرض الفرص التي تتيحها التكنولوجيا المالية Fintech بما يلي:

أولًا: تعزيز الشمول المالي
فقد عزز التمويل الرقمي (Digital finance) إمكانية حصول الفئات المحرومة على الخدمات المالية، وذلك بسبب إمكانية وصول التكنولوجيا إلى المناطق النائية في كل بلد.


ثانيًا: توفير خدمات مصرفية أفضل وأكثر مُلاءمة للعملاء

تسهم ابتكارات التكنولوجيا المالية في تسريع عمليات التحويلات والمدفوعات وكذلك في تخفيض تكاليفها، وعلى سبيل المثال، ففي خدمات تحويل الأموال عبر الحدود، يمكن لشركات التكنولوجيا المالية توفير خدمات مصرفية أسرع وبتكلفة أقل.

ثالثًا: التأثير الإيجابي المحتمل على الاستقرار المالي بسبب تزايد المنافسة
إن دخول لاعبين جدد ينافسون المصارف القائمة قد يؤدي إلى تقسيم (Fragment) لسوق الخدمات المصرفية، وتقليل المخاطر النظامية المرتبطة بالمصارف الكبيرة.
(تخفيف مخاطر النظام المصرفي - Systemic Risk)



رابعًا: التكنولوجيا الرقابية (RegTech)
يمكن لاستخدام التكنولوجيا المالية تحسين عمليات الامتثال في المصارف والمؤسسات المالية، ومن الملاحظ أن الرقابة والتنظيم يزدادان تعقيدًا على الصعيد العالمي، لكن التطوير الفعال لتطبيقات الـRegtech يمكن أن يخلق فرصًا عبر ما يسمى الذكاء الاصطناعي – Artificial Intelligence/ وهذا ما تحدثت إليه السيدة كريستين لاغارد مؤخرًا في البنك المركزي البريطاني.

وعلى سبيل المثال، تساعد التكنولوجيا المالية أتمتة (Automate) التقارير التنظيمية ومتطلبات الامتثال، فضلًا عن تسهيل المزيد من التعاون بين القطاعات المصرفية وبين الدول لتعزيز الامتثال (مثلًا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).


في حين أن هناك فوائد واضحة من التكنولوجيا المالية، فإنه لا يمكن السير في الابتكار على حساب سلامة ومتانة المصارف، وكذلك على حساب حماية المستهلك، لذلك يجب على الرقابة على العمليات المصرفية والأجهزة الرقابية تطوير آليات الرقابة لتتماشى مع التطوّر الحاصل في العمليات المصرفية الإلكترونية، وما ينشأ عنها من مخاطر.

اسمحوا لي أن أستعرض ما هي المخاطر

أولًا: مخاطر إستراتيجية
قد يؤثر توسع تقديم الخدمات المصرفية من قبل المؤسسات غير المصرفية أو شركات التكنولوجيا المالية الكبيرة، سلبًا على ربحية المصارف. وقد تخسر ​​المؤسسات المالية القائمة جزءًا كبيرًا من حصتها السوقية أو أرباحها إذا كان الداخلون الجدد قادرين على استخدام الابتكارات التكنولوجية بشكل أكثر كفاءة، وعلى تقديم خدمات بتكلفة أقل، وتلبي حاجات العملاء بشكل أفضل.

حيث تشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 10-40 % من الإيرادات، وما بين 20-60% من أرباح الخدمات المصرفية الموجهة للأفراد، هي معرضة لخطر الزوال على مدى السنوات العشر المقبلة.

ثانيًا: مخاطر تشغيلية أعلى – ذات بعد نظامي
Systemic dimension) – على مستوى النظام المصرفي)
( مخاطر شركات التكنولوجيا) 

قد يؤدي تطور التكنولوجيا المالية Fintech إلى زيادة الترابط بين اللاعبين في السوق (أي المصارف وشركات التكنولوجيا المالية وغيرها) وإلى تشابك البنية التحتية للسوق، ما قد يؤدي إلى تحويل أزمة تكنولوجيا معلومات إلى أزمة نظامية في القطاع المصرفي، لا سيما عندما تتركز الخدمات في عدد قليل من الشركات المسيطرة.


ثالثًا: مخاطر تشغيلية أعلى – دون بعد نظامي
Idiosyncratic dimension) – على مستوى المصرف)
قد يزيد انتشار المنتجات والخدمات المبتكرة من صعوبة إدارة ومراقبة المخاطر التشغيلية للمصرف، كما قد لا تكون نظم تكنولوجيا المعلومات المصرفية القديمة قابلة للتكيف بشكل كاف، أو قد تكون ممارسات التنفيذ – مثل إدارة التغيير – غير كافية. وعلى هذا النحو، تستخدم المصارف أعدادًا أكبر من الأطراف الثالثة (Third parties)، إما عن طريق الاستعانة بمصادر خارجية (Outsourcing) أو عبر عقد شراكات في مجال التكنولوجيا، مما قد يزيد من التعقيد ويقلل من شفافية العمليات، وقد يؤدي هذا الاستخدام المتزايد للأطراف الثالثة إلى زيادة مخاطر أمن البيانات والخصوصية ومخاطر غسل الأموال، والجرائم الإلكترونية، وحماية العملاء، وينطبق ذلك بصفة خاصة إذا كانت المصارف أقل كفاءة في تطبيق المعايير والضوابط المطلوبة لإدارة تلك المخاطر، أو عندما لا تخضع شركات التكنولوجيا للمعايير الأمنية الصارمة نفسها.


مسئولية العمليات المشبوهة / الشركات أم المصرف؟؟

رابعًا: زيادة الصعوبات في تلبية متطلبات الامتثال خاصة المتعلقة بالتزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
سوف تحتاج المصارف إلى عمليات مراقبة ملائمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في حال قيامها بمعاملات بالنيابة عن عملاء شركات التكنولوجيا المالية. فإذا قام العميل بتسديد الدفعات باستخدام بطاقة مصرفية أو حساب مصرفي، فإن المصرف يتحمل إلى حدّ ما مسئولية عن مصادقة العميل، كما قد يكون مسؤولًا عن تغطية المعاملات الاحتيالية، ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى الاعتماد على التكنولوجيا وتوزيع المنتج أو الخدمة بين المصارف وشركات التكنولوجيا المالية إلى شفافية أقل بشأن كيفية تنفيذ المعاملات وحول من يتحمل مسؤوليات الامتثال.



خامسًا: المخاطر السيبرانية (Cyber-risk)
من المرجح أن ترتفع المخاطر السيبرانية مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية، إذ يمكن للتكنولوجيات ونماذج الأعمال الجديدة أن تزيد المخاطر السيبرانية إذا لم تواكبها ضوابط هذا التغيير.

ومن شأن الاعتماد بشكل أكبر على أنظمة مثل الـApplication programming interface والـ Cloud computing والتکنولوجيات الجديدة الأخرى التي تسهل زيادة الترابط، جعل النظام المصرفي أکثر عرضة للتهديدات السيبرانية، ويعرض کميات کبيرة من البيانات الحساسة للانتهاكات المحتملة. ويؤكد ذلك على ضرورة قيام المصارف وشركات التكنولوجيا والجهات الرقابية بتعزيز الدعوة إلى وجود إدارة ومراقبة فعالة للمخاطر السيبرانية.


السيدات والسادة:
وفي الختام.. من الواضح أن استخدام التكنولوجيا المالية لديه فوائد كثيرة وعوائد عديدة للاقتصاد.

لكن في الوقت نفسه يمثل تحديًا للمصارف والأجهزة الرقابية، وعليه يتوجب على المصارف تطوير آليات الرقابة ويتوجب على الأجهزة الرقابية اعتماد آليات غير الرقابة المصرفية التقليدية.
الجريدة الرسمية