رئيس التحرير
عصام كامل

فراخ يا غجر.. دجاج يا عرر


(ومن أين يأكل شعبي!)، تتردد دومًا في ذاكرتي هذه العبارة التي تلفظ بها أحد الممثلين في مسلسل تاريخي في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وقتها كان حسني مبارك يفتخر دومًا بأن مفهومه للسياسة والاقتصاد يجب أن يتوقف على الدوام أمام محطة من كان يسميهم (محدودي الدخل).. وصدق الرجل في هذا إلى حد بعيد، فلقد استطاع الحفاظ على عرشه لما يقرب من ثلاثين سنة، وكان من الممكن أن يخطو نحو أبعد من ذلك لولا عبث نجله بالأمن الغذائى لأغلبية الفقراء من المصريين الذين كانوا قد تناسوا بشكل كبير كل أشكال السياسة وطلقوها بالثلاثة..


بل إن الكثير منهم اعتبرها شكليات وتفاهات ما دامت الحياة بالنسبة لهم ماشية وزي الفل.. يأكل، يشرب، يسكن بأسعار في متناول فقره وبؤسه الجميل القانع به إلى حد كبير في ظل عقد اجتماعي غير معلن بين الاستبداد والشعب.. أطعمنى أو اترك لى فرصة محدودة ومحددة للبقاء وأنا سأغض الطرف عنك لتفعل بالبلد ما تشاء.. بلدكم يا باشا أنت ومن معك ونحن ضيوف عندك!

ولكن الوضع قد تغير مع وبعد أحداث ثورة يناير الموءودة بفعل فاعل، تطلع المصريون لوقت قصير جدًا لشيء كانوا، ومازالوا، يسمعون عنه وهو المواطنة، ثم ما لبث أن تخبر الحلم سريعًا ورجعنا إلى الارتماء كضيوف في حضن الدولة، لكن الدولة العتيقة والقوية أبت ذلك، لم تعد تقبل بضيوف عندها..

أصلك دولارك يا حلاوة، طيب ممكن جنيه يا عم.. روح العب بعيد يا جميل.. العب يالا.. اتصرف يالا، أو عد لغاية 18.. عاوز خدمات.. ادفع.. عاوز تاكل ادفع.. عاوز تشرب ادفع، أو روح في أي غرقة تاخدك أنت وأهلك.. لم نعد بحاجة لك والعقد الاجتماعي المستمر من عهد جمال لعهد مبارك أصبح منتهى الصلاحية أو أوشك جاتك شكه.. تمامًا كالدجاج الرخيص الذي يباع الآن على أرصفة الشوارع ويقول الخبثاء من الناس، وقانا الله شرورهم، أنه صلاحيته أوشكت على النفاد! قاتلهم الله.. حد طايل يا عرر!

تصدق بالله يا مؤمن، أن هذا الدجاج كان فرصة ذهبية لاستعادة بعض من العقد الاجتماعى (الجميل) الذي ظل قائمًا من 52 حتى مشارف 2011، نوستالجيا الاستبداد الجميل.. تصدق بالله، هذا الدجاج، أو الفراخ كما يسميها المصريون كان فرصة ذهبية لمولد بيضة ذهب تعيد الوصل الغائب بين السادة والشعب..

والله كان من الممكن أن يظهر بيان سياسي والعياذ بالله، يقول للناس.. أيها الناس اسمعوا وعوا.. نحن مازلنا نعتبركم ضيوفا عندنا ووجب إكرامكم بكام فرخة لزوم لا مؤاخذة العيشة واللى عايشنها، سنطعمكم من جوع.. حنطفحكم يعني، وسندعمكم ونقلل عنكم بلاء الأسعار ونعيد بعضًا من الدعم التائه ابن الحرام، ونسمح لكم بفرصة معقولة للحياة، نحن صادقون وقدمنا السبت لكم في شكل فراخ..

عارفين فراخ يعنى إيه ولا نسيتوها.. فراخ يعني وراك لا مؤاخذه وكمان صدور.. مش مصدقين ليه.. فراخ يا غجر.. دجاج يا عرر.. والله وقتها، كانت دموع النساء والرجال ستنهار حنينًا وعرفانًا ومحبة خالصة أكثر من دموع بلهاء وعشاق سهوكة المسلسلات التركية والهندية.. الطعام مدخل آمن ومقبول لقلب وعقل وجوارح أي شعب، لكن للأسف هذه الحكومة تحتاج إلى كاتب سيناريو لعيب ومحنك وخبره وشعبي وحوارتجي أو لا مؤاخذه (صايع) لكنها عندية ورأسها ناشفة ولا تستعين بأحد! دمتم بعافية.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية