رئيس التحرير
عصام كامل

في الأزمة مع تركيا.. أغبياء الإعلام يمتنعون!


ليس من الصواب، ولا من الحكمة رفع درجة الإحماء الإعلامي بغباوة ضد الادعاء التركي بأن أنقرة لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، وهي الاتفاقية الموقعة في ديسمبر عام ٢٠١٣ وصدق عليها الرئيسان المصري والقبرصي في سبتمبر ٢٠١٤، بين دولتين مستقلتين معترف بهما في القانون الدولي، وبموجبها انطلقت مصر في البحث عن الغاز الطبيعي، فعثرت عليه شركة إيني الإيطالية في مساحة مائتي ميل بحري شرقي المتوسط هي حق سيادي لمصر وفقًا لقانون البحار والقانون الدولي.


البحر إذًا بحرنا في هذه المنطقة والسيادة لنا وفقًا لاتفاقية قانون البحار التي وقعت عليها ٦٠ دولة من بينها مصر وأوروبا في عام ١٩٨٢؛ ودخلت حيز التنفيذ في عام ١٩٩٤، ومن المفارقات حقًا أن تركيا رفضت الانضمام إلى هذه الاتفاقية الخاصة بقوانين البحار، واليوم، ووفقًا لبنودها فليس لها أن تتحدث عن حقوق هي خارج إطارها.

ثم أن العالم كله لم يعترف بالجزء التركي من قبرص، جمهورية شمال قبرص، أي لم يعترف بالغزو التركي لشمال قبرص عام ١٩٧٤، ولا يزال الاعتراف الدولي يخص قبرص كلها، باعتبار تركيا تحتل جزءا من أراضي قبرص التي فيها أغلبية تركية، حين رسمت مصر حدودها البحرية وحددتها مع قبرص، فإنها فعلت ذلك مع الحكومة الشرعية، واليوم وبعد خمس سنوات، ومع إطلالة شعلة الغاز المصري في سماء شرقي المتوسط، خرج وزير الخارجية التركي مولود أوغلو يعلن اعتزام تركيا قريبًا إجراء دراسات وأعمال بحث وتنقيب في المياه حول قبرص، متبجحًا بأن بلاده لا تعترف باتفاقية مصر وقبرص لتحديد الحدود البحرية.

حجته أن قبرص التركية لم توقع، لكنه يتعامى عن أن قبرص التركية معدومة الأثر القانوني الدولي، ولا وجود لها في الأمم المتحدة.

ونعود إلى نقطة البداية وهي أنه من غير الحكمة ارتفاع حدة العويل والعواء الإعلامي، حول حقوقنا، وحول قدرتنا العسكرية لصد العدوان، ويهمنا هنا وضع الأسباب التالية:

أولها أن خلق حالة من السعار العام حول غزو تركي للمياه المصرية الاقتصادية وأن مصر قادرة على الحرب والمواجهة سوف يقود إلى الضغط على القرار السياسي المصري، وربما يدفع في اتجاه إرضاء المزايدات الشعبية التي أنتجتها حفنة من الإعلاميين المهووسين بالمبالغات والتسخين، ولا يجوز للضجيج الإعلامي أن يقود القرار السياسي.

ثاني الأسباب أن تركيا تعلم جيدًا أنها لن تستطيع منازعة مصر في غازها الطبيعي والزبون الأوروبي ينتظر بفارغ الصبر التحرر من طوق بوتين وأنابيب الغاز الروسي، يمنحها أو يمنعها، وفقًا لمصالح بلاده، ومواقف الاتحاد الأوروبي تجاه السياسة الروسية في أوكرانيا وفي سوريا!

ثالث الأسباب، أن بوسع الدبلوماسية المصرية أن تقود وأن تخوض معركة دبلوماسية وقانونية ناجحة، ولها في ذلك سابقات خبرة وانتصارات مشهودة، رابع الأسباب أن تركيا التي تحارب الشبح الكردي في عفرين، وفي منبج على الحدود السورية التركية، ومن وراء هذا الشبح المقاتل العنيد تقف أمريكا تؤيده، فضلا عن تدخلاتها في العراق، وفي العمق السوري، وحالة الهوس والهاجس الأمني المسيطر على ذهنيـة رأس القرار العثماني، لا يمكن لها أن تواجه مصر في معركة خاسرة بكل المقاييس.

وبفرض أنها تهورت وواجهت، فإن المحصلة هي محاولة ابتزاز، سوف تفضحها أمام العالم خصوصًا مع الرفض المصري الحازم الحاسم بخصوص هذه النقطة.

خامس الأسباب، أنه لا يمكن عزل وفصل التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بمنازعة لبنان في حقل غاز بحري شرقي المتوسط، فبعد يومين فقط خرجت تركيا بنفس الأسلوب تهدد وتشكك!

أخيرًا لا يجوز للمحلل السياسي الآ يلفت نظره مغزى الزيارة المهمة جدًا التي قام بها الرئيس السيسي إلى سلطنة عمان، ومن بعدها الإمارات، وبخاصة زيارة الإمارات، أن دول الخليج لها استثمارات هائلة بالمليارات في تركيا، ولم ينس الأشقاء في قطر والسعودية بعد الموقف الانتهازي الرخيص لأردوغان حين استجاب على الفور إلى طلب قطر بإقامة قاعدة عسكرية لحمايته من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي خطوة أثارت حنق وغضب الرياض وأبوظبي والمنامة والكويت، وحيث إن أمن الخليج هو أمن مصر والعكس صحيح، فإن المصلحة واحدة والأمن واحد والعدو سيكون واحدا، ولا يجوز مهادنته.

مع وضع كل هذه العوامل في الاعتبار، يبقى أن يكبح مساعير الإعلام النفخ في النار، وألا يعبئوا مشاعر الناس، حتى يتمكن صانع القرار من إدارة الموقف بالعقلانية والرشاد المشهود له بهما، وعليكم أيها الأغبياء ألا تستعيدوا أجواء مايو ١٩٦٧، واندفاع مصر إلى غلق خليج العقبة، ومن بعد هذه الخطوة، اتسع بحر السقوط في قاع الهزيمة، ندفع تكلفتها حتى اليوم.
الجريدة الرسمية