رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة لبنان.. سلاح وفساد وحرب رئاسات


انتهت الحرب الأهلية في لبنان قبل 27 عاما، لكن عاد شبحها يهدد بفتنة تجرف جميع الطوائف، مع لجوء ميليشيات "حركة أمل" الشيعية التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حرق الإطارات وقطع الطرقات، واستعراض السلاح في الشوارع، لترهيب اللبنانيين وتهديدهم بأن لهم السيطرة على الشارع ولا وجود للدولة، على إثر خلاف بين وزير الخارجية جبران باسيل "صهر رئيس الجمهورية ميشال عون" ورئيس البرلمان نبيه بري، ما يهدد بانتهاء التحالف "الشيعي – المسيحي"، بين "حزب الله وحركة أمل" من جهة و"التيار الوطني الحر" الذي ترأسه باسيل بعد انتخاب صهره عون رئيسا للجمهورية من جهة أخرى.


فيديو مسرب مدته دقيقة واحدة للوزير جبران باسيل في جولة انتخابية قال فيه عن بري "هيدا مش رئيس مجلس، هيدا بلطجي"، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التسويات السياسية والتحالفات والمحاصصة لم ولن تنجح في إنهاء الانقسام الطائفي والنعرات المذهبية، أو تقتلع جذور الحرب الأهلية، التي أطلت برأسها وتهدد مستقبل اللبنانيين.

الوضع المتفجر شخصه اجتماع "لقاء سيدة الجبل" بشفافية، محملا السلطة التنفيذية مسئولية "الأحداث التي أعادت اللبنانيين إلى أيام مشئومة مضت، وأظهرت بوضوح هشاشة الاستقرار الأمني والسياسي، وأسقطت معها صورة رئيس الجمهورية القوى والاستقرار المزعوم، فليس من مسئوليات الرئيس حماية صهره والاعتذار نيابة عنه.. كما سقطت بالتبعية الحكومة التي غابت عن البصر والسمع طوال الأزمة، وسافر رئيسها إلى تركيا في زيارة غير مفهومة في عز الأزمة اللبنانية، وأيضا سقطت هيبة القوى الأمنية، إذ اجتيحت شوارع بيروت من عناصر حزبية محدّدة من دون محاولة لردعها، وتبين أن حزب الله وحركة أمل يمسكان باستقرار لبنان وليس أجهزة الدولة الشرعية".

كما اختصر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل الوضع بقوله: "يمكن اختصار اللعبة كلها بالسلاح لي والمحاصصة لك"، قاصدا بذلك الشيعة حلفاء إيران ممثلين في "حزب الله وحركة أمل".. موضحا أن "الحسابات الضيقة أدت إلى تسليم البلد إلى خارج الدولة وخارج الحدود، تحت عنوان الواقعية السياسية التي يبرر أمامها كل التراجعات، ونحن نواجهها اليوم لأنها ليست سوى تنازلات ومصالح شخصية. إنهم يستعملون النعرات الطائفية لتفريق الناس عن بعضها وتجييشها للوقوف إلى جانب الزعيم".

ووضع الجميل يده على جرح المحاصصة والفساد صراحة: "إنها دولة مرّقلي تمرّقلك تتمثل في باخرة لي وباخرة لك، بلوك لي وبلوك لك، وزارة لي ووزارة لك، رئاسة لي ورئاسة له ورئاسة لك، شارع لي وشارع لك، سلاح لي لكن سلاح مش لإلك"!!.

بموازاة ذلك لم يكن الإعلام بعيدا عن الحرب الدائرة بين زعماء لبنان، فكل جبهة جندت أتباعها على "السوشيال ميديا" ضد الطرف الآخر، بعدما نال الرئيس نبيه بري بإساءة بالغة من رئيس الجمهورية عون وصهره جبران باسيل وعائلته.. كما دخلت الفضائيات على خط الأزمة بدءا من قناة "الجديد" التي عرضت فيديو باسيل، ليقول صاحبها تحسين خياط في الاحتفال بمرور 25 عاما على تأسيسها: "ما تغير شيء، لا البلطجية، ولا رئيس البلطجية قدروا علينا (قاصدا رئيس البرلمان نبيه بري)"..

لترد عليه فضائية "NBN" التي يملكها بري في مقدمة النشرة الإخبارية بخطاب متدن: "أطلّ حثالة الإعلام الذي تفوح منه رائحة النتانة والقمامة متحدثا عن البلطجة ورأس البلطجية فيما هو أخس الناس وأقذر ما تراه وتسمع من شاشته في عيدها. فإلى مزبلة التاريخ يا تحسين، فالبلطجي أشرف منك ومن قناتك"!!.

الفيديو المسرب للوزير باسيل، كان يرد فيه على أنصار رئيس الجمهورية الرافضين المساس بصلاحياته والطريقة التي يتعاطى بها معه نبيه بري، ودفاعا عن صهره وصف باسيل رئيس البرلمان بالبلطجي، فهو لم ينس حرب "الرئاسة" بين عون وبري التي اشتعلت عندما رفض بري انتخاب عون رئيسا للجمهورية، وانفجرت الأسابيع الماضية مع مرسوم الأقدميات، واختتمت عندما أعلن باسيل أن بري حرض السفراء ضده ومنع اللبنانيين الشيعة من حضور مؤتمر الطاقة الاغترابية في أبيدجان.

الاعتذار الذي طالب به "حزب الله وحركة أمل" لن ينهي الحرب الحالية، خصوصا أن الرئيس عون اعتذر نيابة عن صهره باسيل ولم تنته الأزمة، كما اجتمع مع بري وناقشا ملف النفط والغاز والتهديد الإسرائيلي ولم يتطرقا إلى أزمة باسيل، وعلى ذلك ستمتد الأزمة حتى وإن هدأت إلى يوم انتخاب رئاسة البرلمان، حيث يراهن أغلب الطوائف أن باسيل سيرد الصاع صاعين عبر نواب "التيار الوطني الحر"، ليعيق وصول بري إلى الرئاسة التي يسيطر عليها منذ 25 عاما، بأن يقاطع انتخابه بوضع "أوراق بيضاء" مثلما فعل بري في جلسة انتخاب الرئيس عون.

وهو بهذا يسعى لفرض معادلة الحليف المسيحي القوى إلى جانب المسلم القوى، ممثلا في السنة بعدما خذله الشيعة بوضع لبنان رهن إشارة ملالي إيران، ويدعم تعمد وصف باسيل لنبيه بري بالبلطجي تراجع النفوذ الإيراني في العراق وسورية واليمن والانتفاضة الإيرانية الأخيرة ضد نظام الملالي، فضلا عن رفض الشعب اللبناني التبعية الإيرانية ورغبته في استقلال قراره بعيدا عن هيمنة "حزب الله وحركة أمل"، فهل تكون الأزمة بداية لاستعادة لبنان هويته العربية؟

الجريدة الرسمية