رئيس التحرير
عصام كامل

حصاد الربيع العبري.. ونتائجه المرعبة!!


تمر الأيام سريعا وتنكشف الأسرار وتبرز الحقائق واضحة كالشمس في لحظات الإشراق، وما كنا نؤمن به وندافع عنه بكل قوة، باعتباره الصدق والحق نقف لنعيد النظر فيه مرة ومرات، ونتأمله لنحدد مواقف جديدة تماما عن مواقفنا السابقة، وبالطبع تتحدد المواقف تجاه الأحداث الكبرى التي تمر بالإنسان على مدى وعيه بها، والوعى وفقا لذلك يتشكل عبر ثلاثة مراحل ومكونات أساسية: المكون المعرفى وهو ما تمتلكه من معلومات عن الحدث، وبناء عليه يتحدد المكون الثانى وهو الموقف من الحدث، ثم يأتى المكون الثالث وهو السلوك الذي ستمارسه بناء على المعارف والمعلومات والموقف منها.


وفيما يتعلق بالحدث الأكبر في تاريخ الأمة العربية، والذي أطلق عليه زورا وبهتانا الربيع العربي، والذي انطلقت شرارته في نهاية العام 2010 ومطلع العام 2011 وتباينت مواقف المواطنين العرب تجاه الحدث، فهناك من رأى أنها ثورة حقيقية على الأنظمة السياسية الحاكمة التي ظلت لسنوات طويلة على كراسي السلطة، في الوقت الذي أدت سياساتها إلى مزيد من الفقر وتكبيل الحريات وغياب العدالة الاجتماعية، والتبعية للنظام الرأسمالى العالمى..

وجد البعض الآخر أنها مؤامرة على مجتمعاتنا بهدف إشاعة الفوضى كمقدمة لتقسيمها وتفتيتها، ورأى فريق ثالث أن ما حدث يجب الحكم عليه وفقا لخصوصية كل مجتمع من المجتمعات العربية فما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين لا يمكن أن يكون فعلا واحدا، لكن لكل مجتمع خصوصيته، وبالتالى الحدث في كل قطر عربي يمكن توصيفه والحكم عليه بشكل مختلف.

وبالطبع هذه المواقف الثلاثة تجاه الربيع العربي المزعوم، بنيت على مدى وعى المواطن العربي الذي يتحدد وفقا لحجم المعارف والمعلومات المتاحة لديه، وبالتالى يكون موقفه وسلوكه تجاه الحدث، وبما أن وسائل الإعلام الحديثة هي المصدر الرئيسي للحصول على المعارف والمعلومات، في ظل مجتمعات ترتفع فيها نسبة الأمية، فإن المتحكم في هذه الوسائل سوف يتيح المعارف والمعلومات التي تخدم مصالحه..

لذلك يمكننا أن نقول اليوم وبقلب مستريح إن اللوبي الصهيونى العالمى وأعوانه داخل مجتمعاتنا العربية هم المتحكمون في وسائل الإعلام بكافة أشكالها، وبناء عليه تتحكم في عملية تشكيل الوعى العربي، لذلك خدعت الغالبية العظمى من الجماهير العربية فيما يحدث من حولها، وجاءت كثير من الأحكام مزيفة وفقا لما تبثه وسائل الإعلام من معارف ومعلومات.

وإذا كانت الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها، فحصاد تجربة ما يطلقون عليه الربيع العربي، وبعد مرور هذه السنوات السبع، وتوافر الكثير من المعارف والمعلومات ليس ربيعا على الإطلاق لمجتمعاتنا، وبما أننى أميل إلى الفريق الثالث الذي لا يطلق تعميمات على الظواهر الإنسانية والمجتمعية، ويري أن لكل مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية، وبالتالي الحدث الواحد يختلف الحكم عليه من مجتمع إلى آخر..

فحصاد التجربة في تونس تقول إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خرجت الجماهير من أجلها لم تنجز شيئا بل تسير نحو الأسوأ، هذا بخلاف التطاحن السياسي على السلطة، نفس الأمر في مصر فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تدهورت بشكل كبير، ورغم حسم الصراع على السلطة فمازالت المعركة مستمرة مع القوى الإرهابية، ومازال بعض رموز الفساد في المشهد.

أما الوضع في ليبيا فقد انكشف بأنه مؤامرة حقيقية على شعب كان يعيش استقرارا اجتماعيا واقتصاديا، وبالتالى تم تدميره والسعى إلى تقسيمه عبر التدخل العسكري المباشر من حلف الناتو الجناح العسكري للنظام الرأسمالى العالمى، ونفس الأمر يحدث في سورية حيث كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية مستقرة إلى حد كبير، وجاءت المؤامرة لتدمير وتقسيم وتفتيت مجتمع وقف في وجه النظام الرأسمالى العالمى، ورفض التبعية وقدم نموذجا تنمويا مستقلا فوجب عقابه.

وبالنسبة لليمن فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خرجت الجماهير من أجلها تدهورت بشكل كبير، وتحول اليمن لساحة قتال داخلى مدعوم إقليميا ودوليا قبل العدوان الخارجى المباشر الذي دمر البنية التحتية ونشر الأمراض والأوبئة، والآن يخيم شبح التقسيم والتفتيت على اليمن التعيس الذي كان في الماضي القريب لا ينعت بغير اليمن السعيد.

ومن هنا يمكن التأكيد على أن هذا الربيع العربي المزعوم هو ربيع عبري بامتياز، فنتائجه جاءت مرعبة على مجتمعاتنا العربية، حيث أصبح الأمن القومى العربي في مهب الريح، وانشغلت كل دولة عربية بالنيران المشتعلة بداخلها، في الوقت الذي تنعم فيه قوات الاحتلال الصهيونى بإبادة الشعب العربي الفلسطينى دون أي مقاومة أو دعم محتمل من مجتمعاتنا العربية، لذلك لابد من إعادة قراءة المشهد من هذا المنظور حتى نتمكن من لملمة الأشلاء المبعثرة لأمتنا العربية، وإعادة الاصطفاف والتوحد لمقاومة المشروع الأمريكى الصهيونى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية