رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ارفعوا أيديكم عن الشعب


الشعب المصري لم يحرر توكيلات للإعلاميين ليتحدثوا باسمه، ولم يفعل الشيء نفسه لا مع الحركة المدنية الديمقراطية ولا مع هذا الكم من المحللين الذين كثرت تخصصاتهم وتباينت توجهاتهم، ولا مع هؤلاء الذين فروا خارج البلاد لبث الفتن وإثارة البلبلة، ولا مع الذين يختبئون في الجحور ويقتلون ويخربون وينتهكون الحدود، ولا مع المنظمات الداخلية أو الخارجية التي تغلف طريقها إلى الثراء بشعار العدالة..


حتى العديد من نواب البرلمان، ندمت الغالبية على منحهم الثقة بعد أن فرطوا فيها، ولم يحرر الشعب توكيلات للبرادعي أو شلة يناير التي تاجرت بأوجاعه فأفقرته لتعيش في رغد وتزايد على دماء شهدائه، كما أنه لم يحرر توكيلات لتميم أو أردوغان أو عواجيز الكونجرس ليتحدثوا باسمه.

يشاهد الشعب مذيعين يتحدثون باسمه وهم لا يعرفون في مصر سوى كافيهات القاهرة وفنادقها، وإذا غادروها.. فإلى الساحل وشرم أو لندن وباريس، لم يلوث أحذيتهم تراب الشارع أو طين الريف، الشعب الذي يخاطبه هؤلاء هو أسرهم ومحيط صداقاتهم وصناع القرار، أما الشعب الحقيقي.. فهو الذي يسكن القرى والنجوع، هو شريحة الفلاحين الذين يزيد عددهم على الخمسين مليونًا، بالإضافة إلى ملايين العمال في المهن المختلفة..

وجميعهم يستفزه خواتم الألماس التي تلمع في أصابع من يتحدثون باسمه، وأكلات الخمس نجوم التي لا يعرفون لها اسمًا ولا طعمًا ويسيل لعابهم وهم يشاهدون المذيع يلتهمها أمام الكاميرا.. وكيف يتحدث مذيع باسم شعب لا يعرفه، شعب فقد ثقته فيه بعد أن راقب كل تحولاته، ففي عصر مبارك.. كان نفس المذيع يتحدث كما يتحدث الآن، ثم انقلب مدحه في مبارك إلى سيل من الشتائم، وسرعان ما قفز إلى مركب الإخوان ليثني ويمدح ويمجد في كل ركابه، وها هو يقفز إلى مركب آخر، ومن اعتاد القفز لن توقفه فيديوهات أو صور كانت شاهدًا على تحولاته، المهم.. ما يضيفه إلى رصيده في البنوك، فهذا يضمن له حياة أفضل في بلد آخر ربما يحمل جنسيته.

الشعب لم يوكل الحركة المدنية الديمقراطية لتتحدث نيابة عنه، لأنه أصبح عصيًا على ابتلاع الطعم، ولم تعد البلاغة في الحديث أو العزف على الأوجاع مجدية مع شعب يعيش في واد.. والحنجوريين يعيشون في واد آخر، يتعايشون بمؤتمراتهم ويسعون إلى مصالح شخصية أو تصفية حسابات، وأتحدى لو استطاع هؤلاء التجول في شوارع القاهرة أو الأقاليم.

أما أغلب نواب البرلمان.. فانعزلوا عن دوائرهم وأغلقوا هواتفهم، ففقد الشعب ثقته بهم، ولو أجرينا استفتاءً عادلًا لأدركنا حجم معاناة الدوائر مع نوابها، حتى وجودهم في سرادقات العزاء أصبح مستحيلًا، وكنت أتمنى أن ينظم النواب ندوات في دوائرهم للتوعية، لكنهم انفصلوا عن ناخبيهم، ولو حاول أحدهم أن يختبر جماهيريته.. عليه أن يدعو إلى مؤتمر فسيجد نفسه محاطًا بأسرته فقط، لذلك لم تعد الأغلبية مقتنعة بأن يتحدث النواب باسمها.

أما من فروا إلى الخارج ليتحدثوا باسم الشعب.. فهم واهمون، فقد سبق تجريبهم وفشلوا، بل الغالبية تراهم السبب الرئيسي في معاناتهم، هم ومن وظفوا أحداث يناير لمصالحهم الشخصية، أما الدول والمنظمات التي تبدي حرصًا مصطنعًا على الشعب المصري.. فقد فضحتها ممارساتها في السنوات الماضية حتى صارت عدوًا له.

لم يحرر الشعب توكيلًا لأحد حتى ينوب عنه أو يتحدث باسمه، ولو فعل.. لما كان السيسي ملاذًا لمريض يبحث عن دواء، أو مشرد يبحث عن مسكن، أو شاب يبحث عن وظيفة، أو عجوز يبحث عن معاش، لقد فقد الشعب ثقته في الإعلام والبرلمان والمعارضة والنخبة ولم يعد يقتنع بأحد يسمعه سوى الرئيس، لذلك توقفوا عن التحدث باسمه.
basher_hassan@hotmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية