رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الخوارج.. أصل التكفير والعنف (4)


قال الإمام علي رضي الله عنه عن معاوية وأهل الشام الذين قاتلوه: "والله، لقد التقينا وربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا.. والأمر واحد، إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء.. إننا، والله، ما قاتلنا أهل الشام على ما توهم هؤلاء (يقصد الخوارج) من التكفير والافتراق في الدين، وما قاتلناهم إلا لنردهم إلى الجماعة"..


لقد أعلن الخوارج كفر مرتكب الكبيرة، واعتبروا الخطأ في الرأي من الكبائر، بل إن منهم من يقول بكفر أصحاب الذنوب ولو كانت من الصغائر.. وقد اتفق أهل السنة على دخول الفرد الإسلام والحكم له بالإيمان عند نطقه بالشهادتين.. كما اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما ادعى الخوارج، ولا هو في منزلة بين المنزلتين (أي في منزلة بين الكفر والإيمان) كما قال واصل بن عطاء رأس "المعتزلة"، وهو قول باطل، إذ جعل الله تعالى مرتكب الكبيرة من المؤمنين..

ويدل قوله جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة" (البقرة: ١٧٨)، على أن الله تعالى لم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخا لولي القصاص، والمراد هنا إخوة الدين لا ريب (شرح العقيدة الطحاوية).. يقول الإمام أحمد بن حنبل: "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؛ زيادته إذا أحسنت، ونقصانه إذا أسأت، ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من الفرائض جاحدا لها، فإن تركها تهاونا بها وكسلا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه" (تاريخ المذاهب الإسلامية/ الشيخ محمد أبو زهرة، ص ٥١٨).

وفى مؤلفه (مجموع الفتاوى)، قال ابن تيمية عن الخوارج: "وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر رسول الله بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا أن تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة"، كما قال البغدادي: "فرق الإمامية معدودة من فرق الأمة".

إن من القضايا التي ابتليت بها الأمة على مدار التاريخ، هي تكفير الناس بعضهم بعضا دون فهم ووعي لحقائق النصوص الشرعية؛ سواء كانت قرآنا أو سنة.. والحقيقة الفقهية التي وردت في الحديث أن الذي يكفر مسلما، ترتد عليه الصفة فيكون هو الكافر.. لذا قال بعض العلماء: ترك ألف كافر خير من تكفير مسلم واحد.
Advertisements
الجريدة الرسمية