رئيس التحرير
عصام كامل

أسد الصعيد عبد الرحيم القنائي


ما من محب إلا وهو مشوق إلى محبوبه وإن كان المحبوب في عالم آخر فالحب يتخطى المسافات والعوالم، والمحب الصادق لا يحول بينه وبين من يحب شيء من آن إلى آخر، يأخذني الحنين ويجذبني شوقي إلى زيارة الأولياء والصالحين خاصة أهل بيت النبوة منهم، الذين أمر الله سبحانه بمودتهم وجعلها أجر للنبي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن دوره العظيم في تبليغه للرسالة وأدائه لأمانتها ولنصحه للأمة وكشفه للغمة، حيث قال عز وجل: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا).


هذا ومعلوم أن المودة تأتي على إثر المحبة والمحبة هي الأصل في الدين ففي الحديث: (لا دين لمن لا محبة له)، هذا ومحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وخصهم بالطهر والتطهير والكرامة والتكريم والرحمة والبركة، كما أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك في قرآنه الكريم بقوله: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنه حميد مجيد)، لمن أقرب القربات إلى الله تعالى، وأعتقد أن السعيد كل السعادة من رزقه الله محبتهم وفتح لهم باب مودتهم.

فمحبة الحبيب وعطرته وآل بيته مصدرا للسعادة في الدنيا وسببا في الفوز والنجاة في الآخرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (يحشر المرء مع من أحب) ولقوله أيضا: (الزموا مودتنا أهل البيت فو الذي نفسي بيده لا يدخل أحدكم الجنة بعمله إلا بشفاعتنا ومعرفة حقنا)، ولقوله أيضا (أهل بيتي كسفينة نوح في أمتي من تعلق بها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك)، ولقوله أيضا عليه افضل الصلاة وأتم السلام (أثبتكم على الصلاة يوم القيامة أشدكم حبا لأهل بيتي ولأصحابي).

هذا ولا يستطيع أحد أن ينكر عظيم فضلهم وجليل قدرهم وما من منكر عليهم ذلك إلا وهو في حقيقته إما جاهل أو حاقد وحاسد ولا شك أنه أعمى بصيرة، ومن هنا ومن أجل ذلك بدفع الحب الخالص كانت سياحتي الروحية المتواصلة إليهم، هذا وهناك مشاعر وأحاسيس لا يشعر بها إلا المحب الصادق..

عزيزي القارئ أكتب لك هذا المقال وأنا عائد من رحلتي الروحية التي أخذت منها شحنات روحية وأنفاس في رحلة الغربة في دار الاغتراب، تلك الرحلة الروحية التي بدأت بسيدي أبا الحسن الشاذلي قطب الأقطاب وكهف الأولياء ومنارة الصالحين، ثم امتدت إلى بقيع مصر، جبانة أسوان، التي ضمت الكثير من الصحابة الكرام والأولياء والصالحين، ثم امتدت إلى الولي المجاهد سيدي أبو الحجاج الأقصري بمدينة الأقصر، ثم امتدت إلى سيدي عبد الرحيم القنائي المكني بأسد الصعيد، والأولياء ونقيبه العارف بالله سيدي أبي عبد الله القرشي، وجمع من الأولياء الصالحين في جوارهم المبارك.

وهنا يطيب لي ذكر بعض مناقب سيدي عبد الرحيم القنائي في عجالة، فقد لا يعرفها البعض، سيدي عبد الرحيم القنائي هو أبو محمد عبد الرحيم ابن أحمد بن حجون يصل نسبه الشريف إلى مولانا الإمام الحسين بن علي والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها، ولد سيدي عبد الرحيم القنائي في بلدة ترغاي بمدينة سبتة ببلاد المغرب الأقصى في أول شهر شعبان سنة ٥٢١ هجري الموافق ١١٢٧ ميلادي، ولد من أبوين كريمين ينتميان إلى بيت النبوة، وكان أبوه شيخا وعالما في المسجد الكبير وإماما له..

حفظ رضي الله عنه القرآن الكريم وجوده وهو ابن الثامنة من عمره، ودرس على يد والده علوم الشريعة وأحكامها، وتفقه على مذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك، هذا وعندما بلغ من العمر اثنى عشر عاما توفي والده فحزن عليه حزنا شديد، حتى وقع صريعا لمرض شديد حار فيه الأطباء، فرأت والدته أن ترسله لأخواله بدمشق فشفاه الله تعالى، والتقى مشايخ وعلماء الشام وأخذ عنهم علم التصوف وسلوك الطريق إلى الله تعالى أحب الخلوة واشتغل بطاعة الله وذكره ومنحه من العلوم اللدنية والمعارف الربانية..

وبعد ثمانية أعوام عاد إلى بلدته ترغاي إماما وشيخا بالمسجد الكبير الذي يعمل فيه والده، فأبهر الناس بغزارة علمه ودقة فهمه فقد أسمعهم من غرائب المعاني في كلام الله تعالى، وذاع صيته في بلاد المغرب، فتوافد عليه أهلها من البلاد والقرى، وأثناء ذلك توفيت أمه فغادر بلاد المغرب واتجه إلى أرض الحجاز عبر مدينة الإسكندرية ومرورا بالقاهرة بمصر المحروسة، وفي هذه الأثناء التقى بعلماء مصر، ثم توجه بعد ذلك إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج..

ثم أخذ يتنقل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ثم شاء الله أن يلتقي بالشيخ مجد الدين القشيري من علماء صعيد مصر، وتآخى في الله ودعاه إلى زيارة مصر فلبى الدعوة، وأقام بمدينة قوص، إلى أن رآى جده صلى الله عليه وسلم يأمره بالتوجه إلى مدينة قنا، فتوجه إليها، وأقام فيها بصحبة سيدي أبي عبد الله القرشي، ومكث فيها يعلم الناس، ويرشدهم في طريق الله، حتى توفاه الله ودفن فيها في مرقده المعروف عن عمر يناهز ٧١ عاما.

الجريدة الرسمية