رئيس التحرير
عصام كامل

أرض النفاق!!


اندهشتُ كثيرًا عندما قرأتُ خبرًا عنْ إعادةِ إنتاجِ فيلم "أرض النفاق"، كمسلسلٍ تليفزيونىٍّ يقومُ ببطولتِه "محمد هنيدى". ودهشتى تعودُ إلى سببينِ لا ثالثَ لهما، الأولُ: أنَّ إعادةَ إنتاجِ الأعمالِ الفنيةِ القديمةِ تحوَّلَ إلى "موضة" خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ، ما يعكسُ انحسارَ خيال المؤلفين والكُتَّابِ الجددِ وإفلاسَهم، الأمرُ الذي يدفعُهم إلى الاستسهالِ، والعملِ على أفكارٍ ليستْ منْ إبداعِهم.


أما السببُ الثانى: فهو اختلافُ الظروفِ السياسيةِ والاجتماعيةِ بينَ الفترةِ التي تمَّ إنتاجُ الفيلمِ فيها، وتحديدًا في العامِ 1968، وبينَ الفترةِ الحاليةِ التي تشهدُ إنتاجَ المسلسلِ حاليًا. فمنْ المؤكدِ أن مياهًا كثيرةً تدفقتْ في النهرِ، عبرَ العقودِ الأربعةِ الماضيةِ، والوسيلةُ التي لجأ بطلُ الفيلم "فؤاد المهندس" إليها من أجلِ تغييرِ حياتِه، لم تعدْ مطلوبةً أو مرجوّةَ أو مأمولةً الآن!!

القصةُ، التي كتبها الراحلُ "يوسف السباعى"، لمن لا يذكرُ تفاصيلَها، دارتْ حول موظفٍ بسيطٍ غيرِ قادرٍ على تغييرِ حياتِه التي لا تعجبُه، حتى يصادفَ متجرًا لبيعِ الأخلاقِ، ويكتشفُ أنَّ "الأخلاقَ القبيحةَ" قد نفدتْ بسببِ الإقبال عليها، فيشترى بعضَ "أخلاقِ الخيرِ"، لكنه بعدَ أنْ عملَ بها خسرَ كلَّ شيءٍ، فيضطرُّ إلى شراءِ بعض "الأخلاق القبيحة"، مثل: "النفاق" الذي يساعدُه على بلوغِ أفضلِ المناصبِ، رغمَ قدراتِه المهنيةِ والشخصيةِ الضئيلةِ جدًا.. وتتوالى الأحداث!!

إذنْ.. ربما كانَ احترافُ "النفاقِ" مطلوبًا في حُقبة ماضيةٍ، وكان وسيلةً مُثلى لا غنى عنها، لمن يطلبُ العُلا، ويبحثُ عنْ المجدِ "المهنىٍّ والسياسىٍّ"، ولكنْ منْ المؤكدِ أنَّ هذا لمْ يعدْ منطقيًا في ظروفنا الحالية، فالنفاقُ، في عصرنا، لم يعدْ هو العملةَ الرائجةَ التي تستجدى منْ خلالها "رئيسَك"، لتنتزعَ بهِ ما ليسَ منْ حقِّك.. فنحنَ الآن نعيشُ أزهى عصورِ المدينةِ الفاضلةِ، التي لا يعرفُ أهلها الكذبَ والمكرَ والخيانةَ والخديعةَ والتلوُّنَ والتماهى مع تقلبات الزمنِ، والأكلِ على جميعِ الموائدِ. 

ومن أجلِ ذلك فإنَّ تجربةَ المسلسلِ – في اعتقادى المتواضعِ- قد يكونُ محكومًا عليها بالفشلِ، مثلَ تجاربَ أخرى مُشابهةٍ.. أبدعوا.. يرحمْكم الله.. "قال نفاق قال"؟!!
الجريدة الرسمية