رئيس التحرير
عصام كامل

يحيى حقي يكتب: أن تكون أو لا تكون

فيتو

في مجلة الهلال شهر يناير عام 1986 كتب الأديب يحيى حقي مقالا يقول فيه:


نحن نردد الحديث عن الفساد والطهارة، يسرح ذهنى فأقول إن من الخلائق ما يقبل التدريج كالكريم يبدأ بقرش تدفعه لشحاذ، أو كذلك البخل يقتصد في ميزانية اللهو والتمتع أولا، ويعيش عيشة النساك ثم تنتهى إلى الاقتصاد في مطالب الحياة الأساسية من ملبس ومأكل.. ويعيش عيشة الكلاب. ولكنى الحظ أن البخيل إذا ارتقى الذروة أصبح موضعا تندر ويتخطفه السمار لممازحته.

وهناك خلائق لا تقبل التدرج فإما أن تكون كاملة أو لا تكون أو أصابها أقل خدش انهدمت مرة واحدة كالعفة، ورحم الله يوسف وهبى حين قال (شرف البنت مثل عود الكبريت).

وكذلك طهارة الذمة، فإن أقل غبار يلحقها يسود بها وجهها، أضرب لذلك مثلين استقيتهما من صحيفة التايمز الإنجليزية.

المثل الأول: جرت عادة بعض الشركات المساهمة إذا حققت في سنة من السنوات ربحا كبيرا غير منتظر أن تحجز جزءا منه تودعه في حساب سرى غير معلن ليكون ذخيرة لها في سنوات العسر وتوزع الباقى على المساهمين.

وحدث أن أعلنت شركة حسابها السابق بتحقيق أرباح عالية وفتحت الباب لشراء أسهم جديدة، وأقبل الناس عليها لكن يتبين أنها لم تحقق أرباحا وأنها ضمت الحساب السرى غير المعلن إلى الأرباح في بيانها المعلن.

وأقيمت دعوى قضائية ضد مدير الشركة لأنه غش الجمهور وقام بالدفاع عن المدير.. أشهر محامى (سايمون) قال لم نكذب لأن المبلغ الذي أضفناه هو أساسا من أرباح الشركة... لكن حكمت المحكمة على المدير بالحبس.

والمثل الثاني: أن هيئة الإذاعة البريطانية دخلت في مفاوضات مع شركة أمريكية وانتدبت أحد موظفيها لمباشرة المفاوضات والعفو بعد أن شرحت له مطالبها وحقق الموظف جميع المطالب المعقولة والطموحة.

لكن هيئة الإذاعة رفدته لأنها نما إلى علمها أنه تصيد منصبا مع الجانب الأمريكى، ورأت هيئة الإذاعة أن هذه رشوة يطلب أجلها إلى ما بعد انتهاء المفاوضات.

وأقول هنا إن الطهارة في المناصب إما أن تكون أو لا تكون.. ولا وسط نهائيا وأن السمكة في النهاية تفسد من رأسها.
الجريدة الرسمية