رئيس التحرير
عصام كامل

«أوباما» «بلير» «ثاباتيرو».. شباب.. وليسوا صدفة!


لا تزال انتخابات الرئاسة تشغل الحوار في الشارع المصري، وعلينا أن نعترف أننا في المراحل الأولى لتعلم الديمقراطية، لأنها ليست كلمات أو خطب رنانة أو مظاهرات.. إلخ. ولكنها ممارسة حقيقية للعمل السياسي، ممارسة لحرية الاختيار، وأيضا حرية الخطأ، لا يوجد تعلم بدون أخطاء، وربما أحيانا أخطاء جسيمة ولكنه ثمن الحرية، والقفز إلى مصاف الدول التي نعتبرها تمارس حرية الاختيار بدون قلاقل بمثابة فعل طبيعى في الحياة..


وإذا كان البعض يردد أن ثورة يوليو 1952 قد أجهضت تجربة الديمقراطية في مصر، فهم قد يدركون جيدا أن الأحزاب نفسها كانت مجرد عدد من الأحزاب انقسمت عن حزب الوفد مثلا، الذي تمزق إلى ثلاثة أحزاب، ولم يكن هناك قاعدة سياسية لهذه الأحزاب إلا لعدد محدود من أصحاب الأملاك من الباشوات، ثم الجميع كان لا بد أن يقبل يد الملك لينال شرف الوقوف بين يديه لحلف اليمين. 

هذه التجربة والحراك السياسي في الأربعينيات لم يقترب من الملك أو سلطاته، وإنما كان محدودا بين الأحزاب الممزقة المتكالبة على تولى الوزارة ونيل الرضا الملكى، وكان طبيعيا أن ترفض ثورة يوليو 1952 هذه التجربة، ولكنها لم تقدم البديل الذي يتيح للشعب من ممارسة العمل السياسي، وهذا إذا كانت أحد سلبيات هذه الثورة، وحتى الآن لم نصل إلى الممارسة الحقيقية للعمل السياسي، أحيانا للجهل بمعنى الحياة السياسية من المواطن، وأحيانا من الأحزاب الضعيفة المنقسمة في داخله. 

وأيضا لأن أي نظام في السلطة لديه خوف أو رعب أحيانا من المعارضة والديمقراطية، في حين كلما كانت هناك معارضة قوية بناءة فإنها بمثابة أهم عوامل تقوية النظام، ورفع مستوى الأداء لحكومته!

أذكر هنا قصة جاءت على لسان السيدة فريدة الوكيل حرم السفير الأسبق عبدالرؤوف الريدى، كانت في زيارة لابنتها في الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا تخبرها أن أول أسود سيحكم أمريكا بعد ست سنوات واسمه أوباما! اندهشت الأم ولكنها عرفت أن هذا الشاب بدأ يلمع في الحياة السياسية، وأصبح وجها جديدا مقبولا، ويتم إعداده لتولى قيادة أقوى دول العالم!

وبالفعل بعد ست سنوات أصبح أوباما أول رئيس أمريكي من السود ومن جذور أفريقية مسلمة! ليس صدفة، ولم يأتى من الشارع ليتولى قيادة أمريكا، لا.. فقد تم إعداده سنوات ليكون مؤهلا للرئاسة! ونفس الشيء عندما نذكر، رؤساء وزراء في إنجلترا واسبانيا على سبيل المثال، تونى بلير، تولى رئاسة الوزراء وهو في بداية الأربعينيات.

وفى إسبانيا ثاباتيرو الاشتراكى لم يتجاوز عمره 42 سنة، وظل فترتين رئيسا للوزراء، ولولا تفجيرات مدريد التي راح ضحيتها201 قتيل وإصابة 1500 آخرين ربما استمر لمدد أخرى، لماذا أشرت إلى تفصيلة عن ثاباتيرو بالتحديد؟ لأنه اشتراكى ونجح ولم يتم هدم النظام الرأسمالى في الدولة، لأن من يصل إلى الحكم ليس مطلوبا أن يجرم من سبقه، بل يكمل عليه.

أما في بعض القوانين الخاصة بالضرائب وحق الدولة في العمل بحرية أكثر وتنافس القطاع الخاص فهذا لم يضر الكيان السياسي الاساسى لإسبانيا، ولم نسمع ايامها تصريحا يجرم ما قبله! لانهم دولة قوية، وتاريخها لمئات السنين مع الحكومات المختلفة، حتى فترة فرانكو الذي اتهم بالدكتاتورية، هو الذي وضع معظم القواعد لإسبانيا الحديثة.

ونعود إلى انتخابات مصر، التي علينا أن ندرك أننا في بداية الطريق بكل سلبياته وإيجابياته، ولا بد أن نعلم أن هناك من يتابعها في العالم بشغف، ليس حبا أو كرها، فكل له مآرب في المتابعة، هناك من يريد الانتخابات أن تمر لأن هناك دولا لا تتعاون بشكل كامل مع الدول التي لديها انتخابات انتظارا للانتخابات وما ستسفر عنه، وهناك دول تتربص بنا حتى تعاود الضغط علينا بصورة أو بأخرى لصالح دولها أو لصالح الكيان الصهيونى..

وعلى سبيل المثال جون ماكين الأمريكى الذي تم إغلاق مكتب حقوق الإنسان الذي يتبعه في القاهرة، وأحد الذين يريدون بأى شكل إسقاط قضية التمويلات الأجنبية في مصر، هذا المكين مستغلا الانتخابات ويطالب مصر باحترام حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين، متناسيا أن هذا تدخل في الشأن الداخلى المصرى وغير مقبول، كما أن مصر ليس لديها معتقلون وإنما هناك قضايا محبوس على ذمتها من يطالب الأخ جون ماكين بالإفراج عنهم..

كما نشرت الواشنطن بوست تقريرا يهاجم مصر وينبه التقرير الأمريكان بأن الرئيس ليس صديقا لأمريكا وقصد طبعا السيسي، والحقيقة عندما تكتب وتعلن الواشنطن بوست أن السيسي ليس صديقا لأمريكا يسعدنا وشرف لنا أن رئيس مصر ليس صديقا للعدو الأول لنا.

والسؤال الذي أتمنى أن يفكر فيه أي مصرى، هل أمريكا تتمنى الخير لمصر؟ أو حتى لأى دولة عربية؟

مؤكد لا.

هل أمريكا فعلا تعمل على إيقاف الحروب في العالم بشكل عام وفى عالمنا العربى بشكل خاص؟

إذا توقفت الحروب فأين سيذهب منتجات مصانع الأسلحة والذخيرة؟ من أين مليارات الدولارات تكلفة التصنيع؟ لهذا تخلق طالبان وأسامة بن لادن والبغدادي وداعش والحوثى وفى كل بلد ألغاما تنفجر كلما أرادت أمريكا، من أين كان جيش الجنوب السودانى أسلحته؟ من الغرب وأمريكا خاصة، ومن أين يتسلح داعش وجميع حركات الإرهاب في سوريا!؟

المراقب للمشهد السياسي لن يندهش مما يحدث في ترشيحات الرئاسة، بعد أن ثبت للجميع ضعف الحياة السياسية والأسباب كثيرة، يتحملها الجميع، الأحزاب، المواطن، وأيضا الحكومة، فمثلا انتهى حمدين صباحى بعد تجربته المريرة في الانتخابات السابقة وبعد خسارته الكثير مما كانوا يعتقدون أنه يحمل الفكر الاشتراكى لثورة يوليو أو فكر عبد الناصر كما كان يدعى، لم يظهر على الساحة وجه سوى المحامى خالد على الذي كانت تجربته أسوأ من حمدين صباحى.

فعندما اشترك في الانتخابات الأولى، لم يحصل إلا عدة عشرات من الآلاف من الأصوات، وطوال السنوات الماضية في تقديرى لم يمارس سياسة، بل مارس السب والهجوم دون سبب على النظام والسيسي فقط لا غير، كنت أتصور أنه يحاول طرح فكره السياسي من خلال القنوات التي تردد تصريحاته، كنت اتمنى أن يقدم فكرا وحلولا لأى مشكلة، حتى الحزب الذي فكر في إنشائه لم يستكمل خطوات إعلانه والخطوات الدستورية، النهاية كان إعلان خالد على الترشح بمثابة شو إعلامي فقط..

السبب أنه أو من حوله أدرك عدم قدرته على الأقل تجميع ٢٥ ألف توكيل حتى يقبل ترشحه، لو كنت المسئول لساعدته للحصول على التوكيلات ويتقدم للانتخابات، وهناك من بعيد محمد أنور السادات كان قد أعلن ولكن تراجع!

في جميع الحالات كان الصوت المعارض للنظام يردد بضرورة أن يكون الرئيس بدون خلفية عسكرية، ولكن كانت مفاجأة الفريق أحمد شفيق وأنه سيدخل الانتخابات، فإذا بالإخوان المجرمين ينسون كل ما أعلنته من أنهم ضد العسكر وأعلنوا تأييدهم للفريق أحمد شفيق، وحدث أن انسحب أو أعلن عدم دخوله الانتخابات. 

ثم المفاجأة تقدم الفريق سامى عنان إلى إعلانه. وحدث ما يعرفه الجميع، من طرافة ما حدث أن الإخوان أعلنوا تأييدهم له، وكثير من الجماعات التي تبحث عن دور، هذا وحاليا يعد العدة حزب الوفد ليقدم رئيسه أوراق ترشحه، واعتقادى تاريخ الوفد كان يؤهله من البداية الاستعداد للسباق الرئاسى، لنرى سباقا جادا، ولكن علينا أن نعترف.. أننا في أولى خطوات الديمقراطية، وعلينا أن نتقبل سلبياته وهى كثيرة حتى نتعلم ونلحق بالدول الديمقراطية حقا... وتحيا مصر!
الجريدة الرسمية