رئيس التحرير
عصام كامل

انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط !


لم ينسحب المتر من الانتخابات الرئاسية، ولم يتراجع عن خوضها، لكنه فشل بصراحة وبوضوح في الالتحاق بالسباق بعد فشله كذلك في الحصول على تأييد 20 عضوا برلمانيا، مما يجعلك تسأل: أومال فين المُعارضين اللي بيطلعوا في العاشرة مساءً ينددوا ويشجبوا ويستنكروا بالبلوفرات الصوف والبِدَل الحرير، ولا حتى تحصيل 50 توكيلا من مواطنين عاديين لعنوا اليوم الأغبر اللي شوفنا فيه أمثال المتر..


فكيف لواحد مش عارف ياخد 50 توكيلا من 50 مواطنا من أصل أكثر من مائة مليون مواطن علشان يترشَّح لرئاسة الجمهورية، وياخد عدد أصوات أكتر من اللي أخده في انتخابات 2012 وكان واخد أيامها عشرة بس تقريبًا، كيف له أن يتمطَّع ويقول إن المفروض يحصل كذا، أو يتعمل كيت وكيت، بينما المفروض هو يروح يتعالج أو يدرس أو يشوف حَل في مصيبة العظمة اللي راكباه بدون مُناسبة هذه!

ويدهشك أن البعض من ثوار الغبرة الذين اتخذوا الثورات غاية لا وسيلة، ينادون دائمًا بإقامة الديمقراطية، واستفتاء الشعب على الصغيرة والكبيرة، ولما الشعب يقول كلمته يرجعوا يبكوا بدل الدموع صوابع زينب ملزَّقة، ويقولوا مفيش ديمقراطية، طيب وما الشروط الواجب توافرها للاعتراف بوجود ديمقراطية يا حضرة وإنت أصلًا محدش يعرفك ولا عايز يوكِّلَك، واللي عارفينك مش طايقينك؟

أستدعي هنا رَد (محمد مرسي) مُرشَّح الإرهاب في انتخابات 2012 لما قال إن الضمان الوحيد اللي هيخليه يصدَّق إن الانتخابات مش مزوَّرة هو إنه يكسبها، والرد على طريقة المرحوم (إسماعيل ياسين) في فيلم ابن حميدو "تكونشي شيكولاطة؟" وتأتي الإجابة من نفس المشهد للمرحوم (توفيق الدقن) "صلاة النبي أحسن"!

إذن الفكرة الأساسية والتي ينبغي أن يعرفها الناس إن كان هُناك أحد مُهتمًا بشئون المتر، هو أنه لم ينسحب من الانتخابات، لكن الناس رفضوا ترشُّحه فلم يكُن بمقدوره الحصول على عدد التوكيلات القانوني وهو 25 ألفًا إلا لو تم مد المُهلة المُحددة لذلك حتى عام 2500 علشان يكون عدد سُكان مصر آنذاك 100 مليار مواطن وليس 100 مليون!

الناس دي جاية تهرَّج مش تلعب سياسة، وكُل فكرتهم عن السياسة هي إن واحد يشيله واحد صاحبه على كتفه، ويهتفوا هتافين، ويضبَّحوا تضبيحتين، ويقفوا ساعتين على سلم يهروا وينكتوا، ويشجبوا ويستنكروا، ويا سلام لو عابر طريق ملوش في الطور ولا المؤيدين تخبطه عربية معديَّة في الزحمة، أو تنقَّط على راسه سواء كان أصلع أو بشعر شوية ميَّه من غسيل ست معصرتش الهدوم كويس، فيعملوه شهيد وبطل ويدَّعوا كذبًا انتماءه لهم، وهات يا سياح في الفضائيات والمواقع خارجيًا وداخليًا، ويتحوَّل إلى شهيد ثورة الغسيل، ويعملوله مقام يلفُّوا حواليه ويطلبوا كمان إن المقام يوصل للحُكم، ومن غير انتخابات!

ونرجع للمتر اسمه إيه عندما عمل مؤتمر صحفي أعلن فيه أنه لن يكمل الانتخابات علشان التوكيلات ضاعت، طيب مَن المسئول عن الحفاظ على التوكيلات؟ جايز شركة الأهرام للكوالين؟ وبعدين توكيلات إيه اللي ضاعت؟ على طريقة عِد غنمَك يا (جحا) واحدة قايمة وواحدة نايمة، يا راجل ده الصحفيين والمراسلين اللي حضروا المؤتمر أكتر من اللي عملوا لك توكيلات بنسبة مائة إلى واحد مسكين غلبان مش لاقي حَد يقف جنبه، وهذا ليس ذنبنا..

لكن كُل مخلوق مُيَسَّر لما خُلِق له، يعني إنت مُمكن تكون مُحامي تعويضات متوسط، شبح في الحقوقيات والتمويل الخارجي، ناصح في الاعتصامات والنوم في الخيام، لاعيب لا يُشَق له غبار في الوقوف على السلالم أو النواصي، جميل جدًا في الجلوس على كتف صاحبك، كُل ده جميل، لكن هذا ليس بالضرورة شرطًا لأن تكون رئيسًا للجمهورية، وياريتك وصلت للسباق ونشوف قوة احتمالك، لكن ليس ذنبنا أبدًا أن الناس لم تثق بك ولم تُقرر إنها تعمل لك توكيلات، فعليك أن تبحث عن السبب بينك وبين نفسك بعيدًا عن المُكابرة والكاميرات، حتى إذا فرَّت دمعة واللا حاجة محدش ياخُد باله!

النصيحة السابقة للمتر تصحبها نصيحة أخرى، وهي إنه لازم يشوف فيلم غير شهير للفنان الكبير ـ الزعيم بجد ـ (عادل إمام)، الفيلم اسمه (انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط)، والتشابه بين المتر إياه وشخصية (سليمان عبد الباسط) أستاذ القانون في الفيلم المذكور لا يُمكن إغفالها، فكلاهما طيب وخام لدرجة السذاجة، لكنه ظن في غفلة من الزمن أنه بطل قادر على لعب دور أكبر من حجمه، فكانت نهايته هباب..

ومُشكلة المتر إياه إنه مش واعي لمتغيرات الحياة في السنوات الأخيرة، بعدما تحوَّلت بطولة ملزَّقين الميدان إلى لعنة لدى جموع الشعب بعد وقف الحال والانهيار الأخلاقي والاجتماعي الذي نتج لا عن ثورة يناير المسكينة، لكن عن الثوار المُحترفين ـ من أمثاله ـ اللي قرفوا الناس في عيشتها، وكرههوهم في الثورات والثوار والمُعتصمين والعيش والعيشة واللي عايشينها، فكان شلوط ثورة يونيو الذي قام به مواطنون عاديون لفظوا خلالها مُحترفي الثورات وأرزقيتها مثل الأخ اللي لسَّه عايش في خيمة التحرير ومش قادر يطلع برَّاها، رغم إن التحرير نفسه ـ ولله الحمد ـ اتحرر منهم!
الجريدة الرسمية