رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحميد السحار.. ناشرًا وكاتبًا وروائيًا وسينمائيًا بامتياز

عبد الحميد السحار
عبد الحميد السحار

في مثل هذا اليوم 22 يناير لعام 1974، رحل عن عالمنا أديب وروائي وناشر مهد الطريق لجيل كامل ليصبحوا من عمالقة الأدب في يومنا هذا، إنه عبد الحميد جودة السحار.


ذلك الكاتب الذي أضاف للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب والدراسات الجادة، كان أعظمها "محمد رسول الله والذين معه" الذي صدر في ثلاثين جزءا وتم عرضه في التليفزيون، ونال من خلاله شهرة واسعة، كما كتب قصة "الحفيد" ليسطر بقلمه قصة الأسرة المصرية في السينما، وكان ناشرًا من الرعيل الأول فقد كان أول ناشر لروايات نجيب محفوظ، وقت لم يجد روائي نوبل من ينشر له رواياته.

ولد السحار عام 1913، وتخرج في كلية التجارة، جامعة فؤاد الأول عام 1937، وكان من بين زملائه في المدرسة الروائي نجيب محفوظ، إلا إنهما لم يلتقيا في المدرسة، بل جمعتهما الثقافة وحب الأدب، فقد كانا كاتبين في مقتبل حياتهما، لم يجدا من ينشر ما يكتباه، حيث كانت دور النشر لا تعطي مساحة لصغار الكتاب والمغمورين، بل اقتصرت على نشر كتب وروايات الأربعة الكبار حينها وهم " عباس محمود العقاد، محمود عبد القادر المازني، طه حسين، وتوفيق الحكيم".

وفي هذا الصدد يقول نجيب محفوظ في كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" لرجاء النقاش: "تعرضت للفشل وأنا أحاول نشر رواياتي في الصحف، بما فيها الصحف غير المعروفة، فكنت أكتب وأضع ما أكتبه في الدرج انتظارا للفرج، وبعد جائزة "قوت القلوب" تشجعت وتقدمت لمسابقة مجمع اللغة العربية بروايتي "كفاح طيبة". وحققت نجاحا.

وكانت هذه الجائزة سببا في لقائي وتعارفي على هذه المجموعة من الأصدقاء، كانت تلك الجوائز فاتحة خير، لأنه بناء عليها قرر عبد الحميد جودة السحار إنشاء "لجنة النشر للجامعيين"، حيث وجد أمامه مجموعة من الأدباء الشبان الموهوبين بشهادة أساتذة كبار هم أعضاء لجنة التحكيم، وأنه يمكنه أن ينشر أعمالهم الفائزة ويضمن توزيعها، خاصة أن الجوائز الأدبية في ذلك الوقت كانت تتمتع بالاحترام والثقة في جديتها، وكلفني السحار بالاتصال بالفائزين والتفاوض معهم لنشر أعمالهم من خلال "لجنة النشر للجامعيين" ووافقوا"..

وبالنظر إلى الجوانب الأخرى في حياة السحار غير ريادته في مجال النشر، نجد أن لديه إنتاجًا كبيرًا من الكتب التي تؤرخ للإسلام، حيث من كتبه "أبو ذر الغفاري"، "بلال مؤذن الرسول"، "سعد بن أبي وقاص" "أبناء أبو بكر" و"محمد رسول الله والذين معه وصدر في 30 جزءًا".

وقدم العديد من الروايات التي تحولت أفلامًا وشارك في كتابة السيناريو لها، ومن بين هذه الأفلام:" درب المهابيل"، شياطين الجو،" النصف الآخر"،" ألمظ وعبده الحامولي"،" مراتي مدير عام"، "أم العروسة"، و" الحفيد ".

وقبل أن يتوفى السحار بعامٍ واحد، أُسند إليه رئاسة تحرير مجلة السينما عام 1973، ليتوج هذا المنصب رحلته مع السينما والأدب والنشر، وفي مذكراته يروي السحار عن طفولته ويقول:

" كنا نزور الحسين والسيدة زينب، وفي يوم الجمعة أصاحب أبي من العصر إلى العشاء إلى المقرأة بمسجد الإمام الشافعي أصغي إلى تلاوة كبار المقرئين، وأذكر أن شيخا قرأ ذات مساء: (ووسوس لهما الشيطان) وإذا بجميع المقرئين الآخرين يقولون في صوت واحد (فوسوس لهما الشيطان) (الأعراف: 20) وركبنا سيارة أجرة إنطلقنا إلى مسجد السيد البدوي وما أن هبطنا منها حتى راح تجار حب العزيز يجذبوننا من ملابسنا لنشتري من البركة.

يضيف: كان عيد الأضحى على الأبواب فكان حديث السلاملك، الحج ومراسمه وكانت أصوات الخراف التي وضعت في البدروم ترتفع بين آن وآن، وانقضت ساعات السمر ودخلت إلى فراشي فإذا بي أحس أن حرارتي قد إرتفعت، وكان مرض "الدنجي" منتشرا في تلك الأيام، إنه حمى قاضية تصيب الرأس وترتفع درجة الجرارة، وتحدث انفجارا بالأذنين قبل أن تسوق الفرسية إلى الموت.

ويتابع: توجهت قبل نومي إلى القبلة وصليت وأنا نائم؛ كانت صلاتي في مناجاة حارة لربي وإنتهيت من صلاتي وأنا أستشعر راحة لم أحسها من قبل، وفي الصباح الباكر استيقظت على رائحة شواء، وأسرعت إلى السطح وأخذت أخطف كالصقر كل ما يسلت من الأسياخ، وبعد أن أكلت حتى امتلأت أحسست الحمى تنقشع.

واختت: ومنذ ذلك اليوم وأنا أعالج الحمى بالكباب وبدأت رحلتي إلى الله بالصلاة في المساجد".
الجريدة الرسمية