رئيس التحرير
عصام كامل

عن ملحمة حربية جرت قبل 48 عاما.. شدوان!


"حين انتهت ذخيرة أحد المواقع وكان به جنديان مصريان أسرهما الإسرائيليون فاحتجزوا أحدهما وطلبوا من الآخر أن يذهب إلى مبنى صغير قرب فنار الجزيرة ليقنع من فيه بالتسليم ثم ليقول لهم إنه وجد المبنى خاليًا.. وعلى الفور توجه إلى المبنى ضابط إسرائيلي ومعه عدد من الجنود لاحتلال المبنى وما كادوا يدخلون إلى المبنى حتى فوجئوا بجحيم النيران تنهال عليهم من كل ناحية رغم أنه كان "مدفع رشاش واحد" لضابط مصري، إلا أن نيرانه حصدتهم جميعًا"!


هذه واحدة من البطولات الأسطورية التي رواها الصحفي الأمريكي والذي ربما كان طبقًا لاسمه من أصل بولندي "جاي بوشينسكي" مراسل "يونايتد برس" و"شيكاجو توداي" وإحدى الإذاعات الأمريكية لكن، وقبل أن نستكمل شهادته تعالوا نروي القصة بكاملها:

اجتماع مطول جمع بين رئيس الأركان بجيش العدو الإسرائيلي حاييم بارليف وقائد الكتيبة 202 مظلات "يعقوب حسداى"، والذي استدعي للاجتماع قائد قوة المظلات "رائد موتى باز".. كان الحوار يدور في ضرورة احتلال جزيرة شدوان بالقرب من مدخل خليج السويس، وعلى بعد 325 كيلو من مدينة السويس لمنع هجمات قوات الصاعقة المصرية في سيناء، والتي كانت المجموعه 39 تقوم بها بقيادة البطل الأسطوري "إبراهيم الرفاعي".. انتهى الاجتماع لبدء العدوان فجر مثل هذا اليوم 22 يناير 1970 وكانت الجزيرة تتبع عسكريًا منطقة البحر الأحمر والتي كان هناك أسد مصري يقودها وكان وقتها هو اللواء "سعد الدين الشاذلي"!

يقول "بوشينسكي": "كنت مصاحبًا للقوات الإسرائيلية لتغطية المعركة ورأيت كيف استمر قصف الطائرات الإسرائيلية لمدة 4 ساعات متصله قبل أن يهبط جندي إسرائيلي واحد على أرض الجزيرة، والتي بدأت بالمدرعات والدبابات وحاول الإسرائيليون إحباط المصريين بدعوتهم بمكبرات الصوت للاستسلام لكن الرد المصري جاء صاعقًا.. وفيها مشاهد لن أنساها ما دمت حيًا.. فبالرغم من كل هذا القصف فإن الجميع فوجئ بقذائف مركزة من المدافع تنصب فوق الجنود الإسرائيليين من كل جانب.. وجندي مصري يقفز من خندقه ويحصد بمدفعه الرشاش قوة من الإسرائيليين، وظل يضرب إلى أن نفذت آخر طلقة معه، ثم استشهد بعد أن حصد أرواح عدد كبير من الإسرائيليين وأصاب الكثير بجراح..

وفي موقع آخر خرج جنديان مصريان تظاهرا بالاستسلام وحين تقدمت قوة إسرائيلية للقبض عليهما فوجئت بجندي مصري ثالث يبرز فجأة من الموقع بمدفعه الرشاش فيقتل 5 جنود ويصيب عددًا من الإسرائيليين"!

التفاصيل السابقة نرويها سريعًا إلا أنها مشاهد من معركة طويلة استمرت 36 ساعة كاملة ـ نعم.. 36 ساعة كاملة من القتال- بين سرية مصرية بسيطة وكتيبة مظلات للعدو الإسرئيلي (كتيبة تعني 3 فصائل كل فصيلة من 3 سرايا) تدعمها طائرات ولنشات وسفن حربية على جزيرة صغيرة طولها 16 كيلو وعرضها من 3 إلى 5 كيلومترات نقل أبناء البحر الأحمر بمراكبهم الصغيرة وعلى مسافة 35 كيلومترًا الماء والطعام والسلاح رغم القصف الإسرائيلي المجنون ورغم البرد والرياح الرهيبة في هذه المنطقة ثم إمدادات الجنود للسرية الصغيرة والمدنيين الذين يشرفون على فنار الجزيرة رغم أن الريس غريب العبسي أحد أبطال الملحمة أطال الله عمره يؤكد لي أنها استمرت لأربعة أيام متصلة حتى حسمت الطائرات المصرية المعركة بعد الصمود الأسطوري للقوة المصرية قليلة العدد!!

إلا أنها انتهت بإسقاط طائرتين إسرائيليتين وتدمير كل المدرعات والدبابات المهاجمة وإرسال 60 إسرائيليًا إلى جهنم أو بإصابات بالغة وأسر بعضهم وإصابات مباشرة في لنشاتهم الحربية!!

أتذكر الآن يوم كنت في دمشق قبل سنوات.. وجاء والد صديقي السوري السيد فيصل نهار وكان ناصريًا متعصبًا وجاء بابنتيه الطفلتين وقال: هذه ابنتي واسمها أسوان.. وهذه ابنتي شدوان!

بينما في بلادنا ولسنوات طويلة (قريبًا سنرى فيلم عن شدوان) تم تجاهل ملاحم كاملة من حرب الاستنزاف بل حرب الاستنزاف كلها لأسباب سياسية استمرت أكثر من أربعين عامًا واعتقادًا أنها تصب في سيرة جمال عبدالناصر لكنها لم تكن لتمنع الاحتفاء ببطولات مصرية أسطورية كتبها المصريون بالدم، وينبغي أن نحفظها بل نغنيها حتى آخر سطر من عمر الحياة على كوكبنا!
الجريدة الرسمية