رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: «كداب يا خيشة»

محمد فودة
محمد فودة

قد نسمع بالصدفة جملة "كداب يا خيشة" أثناء حياتنا اليومية دون أن نتفحص أو نقف أمام معناها الحقيقي لنعرف ما المراد منها؛ أو ما هو أصل تلك الجملة الدارجة التي تستعمل على ألسنة العديد من المصريين بشكل شبه يومي.


فإذا رجعنا إلى معجم الألفاظ والمصطلحات التاريخية سنجد أن "خيشة" كلمة أعجمية أصلها فارسي ومعناها عند بعضهم كيس من القماش وهو نوع من الكَتَّان يستعمل في صناعة الخيام والحقائب، وتطلق الكلمة أيضا على خيوط مُعَدَّة لصناعة أكياس الحبوب، ولها معنى آخر في الوسيط، وهو أيضا الرجلُ الدنيءُ.

ويبدو سمة تقارب بين المعنى الأخير وما جاء في أغنية "كداب يا خيشة.. كداب قوي.. أنا كنت فاكرك فهلوي" للمطرب شعبان عبد الرحيم، وهو يجسد بتلك الأغنية فلسفة شعبية من نوع آخر؛ ولما لا وقد غنى الرجل الأمي.. المثقف بالفطرة "أنا بكرة إسرائيل" تلك الأغنية التي لاقت ترحيبا وانتشارا واسعا في زمنها وما زالت.. وبالعودة مرة أخرى لـ أغنية"خيشة" سنجد أن خيشة ليس كداب فقط وإنما كداب قوي، وكمان فهلوي، ولذلك من السهل أن ينخدع البعض بهذا الكدب وينطلي عليه خاصة وأن دواء الحقيقة قد يكون من الصعب أو تقبله.

ولأن الكدب ملوش رجلين: "خليك كداب نص نص.. أو حبه حبه.. بلاش تبقى زي خيشة كداب قوي، لإنك مهما كنت فهلوي قد تنجوا بفعلتك مرة أو التانيه، إنما التالته تابت زي ما قالوا في الأمثال".

وقد يكون الكدب حبله قصير، إلا أنه بيظهر ويبان من طول المناخير على طريقة تأثير "بينو كيو".. أما بلغة الطب فقد أثبتت الدراسات أن الكذب يعمل على زيادة ضغط الدم وهو ما يؤدي إلى تضخم وتوليد احساس وشعور بالحكة لذلك حذاري حذاري من أنفك، لإن مع الوقت هيظهر ويبان عليها وهتبقى "كداب يا خيشة.. كداب قوي".

وذكر الله سبحانه وتعالى الكذب في كتابه العزيز على نحو مائتي آية، كانت كلها إما على سبيل الذم، وإما على سبيل تبيان سوء عاقبة الفاعل قال تعالى «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب» كما أنه من صفات أهل النفاق فجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلاث: «إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» فالكذب مرض خطير إذا استولى على الإنسان أمات قلبه وصار حيا ميتا.
وقديما قال الشاعر أبو العتاهية

إِيّاكَ مِنْ كَذَبِ الْكَذُوبِ وَإِفْـكِهِ
فَلَرُبَّـما مَـزَجَ اليَقـينَ بِشَـكِّهِ

وَلَرُبَّما ضَـحِكَ الكَذُوبُ تَكَلُّفًا
وَبَكى مِنَ الشَيءِ الَّذي لَمْ يُبْـكِهِ

وَلَرُبَّما صَـمَتَ الكَذُوبُ تَخَلُّقًا
وَشَكَى مِنَ الشَيءِ الَّذي لَمْ يُشْكِهِ

وَلَرُبَّما كَـذَبَ اِمـرُؤٌ بِكَلامِِِهِ
وَبِصَـمتِهِ وَبُـكائِـهِ وَبِضِحْـكِهِ

ذلك أن الذي يكذب يمكن أن يخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنه لن يستطيع ابدا خداع كل الناس كل الوقت وسيأتي اليوم الذي تظهر فيه الحقائق وتتجلى كالشمس في وضح النهار ليردد الناس «كداب يا خيشة.. كداب قوي».
Advertisements
الجريدة الرسمية