رئيس التحرير
عصام كامل

ما على.. السيسي!


حسنًا فعل السيسي عندما استهل خطاب الإنجازات بنسب الفضل للشعب المصري الذي تحمل صابرًا محتسبًا فاتورة الإصلاح.. وإذا كان لكل البشر ما لهم وعليهم ما عليهم فلطالما تمنيت أن يبدأ الرئيس ولايته الثانية بنقد ذاتي والاعتراف بما لم يتحقق من برنامجه الانتخابي، أو وعوده للمواطنين.. وحين أطلب ذلك أذكر بأن أحد الصحابة كان يقـول إنهم كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم، عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنا، ولطالما تمنيت أن تكون خطابات الترشح بمثابة برامج للمستقبل الخاص بفترته، بحيث لا يحمل من يأتي بعـده فاتورة طموحـه، وكما يقـول فلاسفـة الحكم إن يتخـذ السياسي قرارًا خاطئًا، فهـذه مشكلة لكن ألا يعرف كيف يقدم قراره للناس فهذه الكارثة، وأظن أن الرئيس السيسي يعرف كيف يقدم قراره للناس ببراعة، وربما يؤخذ عليه ثقته في تلك النقطة..


فقد قال للنـاس إن أحوالهم ستتحسن بعد سنـة ثم طلب منهم منحه فرصة ستة أشهر.. ومرت السنة ونصف السنة ولم يشعر الناس بأي تحسن.. ربما حدث العكس.. بل إنه وعد أيضًا بالتحكم في الأسعار، ولن ترتفع فكان العكس، ولطالما وعد، لكنَّ كثيرًا من تلك الوعود كان تحقيقها صعبًا.. ولهذا وجب وهو على رأس الدولة ألا يعد إلا بما لديه من إمكانات حقيقية وليست افتراضية.

كانت هناك بعض الأخطاء الكبرى التي أسهمت في انقسام الأمة ومثال جزيرتي تيران وصنافير.. حيث ظلت المفاوضات حولهما لأكثر من عامين مع أطراف خارجية.. بينما فوجئ المصريون بين يوم وليلة بقرار تسليمهما للسعودية، وكان يمكن التمهيد لذلك الأمر قبل أن تصدم الأمة بالتنازل عن جزء من أراضيها، حتى وإن كانت الجزيرتان ملكًا للسعودية وتم تأجيرها أو منحها لمصر في وقت ما، وكان يمكن بعد ذلك بتمرير الأمر بقدر من اللياقة السياسية، إلا أن القبض على الغاضبين ووصفهم بالخونة والعملاء، كما حدث مع المذيع المحسوب على الأجهزة وزاد من غضب الناس وبات من يدافع عن أرضه نتيجة سوء فهم خائنا وعميلا !!

ومن الأخطاء الكبرى في تلك الفترة هو الموت الإكلينيكي للسياسة والساسة فلم يعد هناك حزب.. بل إن الكارثة في بلد يتكلم دستوره عن التعددية لا يوجد حزب للأغلبية أو المعارضة.. وكل ما هنالك ائتلاف في البرلمان ( دعم مصر).. وهو ائتلاف مؤقت سينفض مع انتهاء المدة الدستورية للبرلمان.. وربما كان الأثر المباشر لموت السياسة هو عدم وجود أي وزير.. بل أي مسئول سياسي من أي مدرسة أو حزب سياسي.. بل الأخطر هو عدم وجود مرشح منافس للرئاسة بقدر وقامة مصر..

وبالتالي غاب الخطاب السياسي في الساحة المصرية وفوجئ الناس بمسئولين في معظم المواقع ليس لهم سابق خبرة في التخصص الذي يشغلون.. فبدت تلك المناصب شاغرة، وربما كان السبب في ذلك هو تضييق مؤسسة الرئاسة على نفسها في الاستعانة بخبراء وسياسيين من الدائرة الضيقة لصنع التصورات والقرارات السياسية.. واكتفت بالطاقم الذي كان يعمل مع الرئيس منذ زمن طويل.

وبدا أن هذا الطاقم يمسك بملفات تتجاوز تكوينهم المهني، وكان الارتجال الكثير لخطابات الرئيس وقفات لطالما حذّر منها المخلصون، وطالبوا بالحد منها وأن تكون محسوبة بدقة، وهو هناك علم يدرس في الجامعات الغربية ومراكز الأبحاث وصنع القرار في تحليل الخطاب السياسي.. حيث تعتبر الخطاب السياسي دليلا لسياسات الدول ومنبئًا بمستقبلها.. ولن أعيد التذكير بذلك ولكن أهمها وأخطرها عندما خرج عن نص الخطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة متكلما عن أهمية السلام في ضمان أمن المواطن الإسرائيلي.

وأظن أن الرئيس في أمس الحاجة لرجال دولة ومثقفين وسياسيين وأصحاب رؤى في مؤسسة الرئاسة، حتى ينجح في تشبيك الإنجازات والمشاريع الطموحة التي شهدتها فترة رئاسته الأولى وربطها بتصور عام لمستقبل مصر، تحدد بدقة الأولويات والتوقيتات وتعلن انحيازها للطبقة الوسطى، بما يعني تغييرا كبيرا في النهج الاقتصادي والتنموي، وفي ظني أن كل ذلك يمكن تحقيقه بإعادة الاعتبار لائتلاف ٣٠ يونيو، الذي جمع مصر وطبقتها الوسطى بشكل طبيعي، ولكن للأسف تم التفريط فيه وتفكيكه ولم يفطن أحد للحفاظ عليه ولم شمله في حزب يكون ظهيرًا للدولة المصرية بدلا من حالة الفراغ والسيولة التي يبدو كأنها بفعل فاعل.
الجريدة الرسمية