رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تكسير الذهب مهنة عفا عليها الزمن..عرفها المصريون من فيلم الصاغة.. أصلها يعود إلى يهود مصر.. 90 % من المحال غيرت نشاطها للنحاس والفضة.. والعاملون بها يواجهون المجهول

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في “ربع السلسلة” خذ نفسا عميقا، اغلق عينيك ثم عد بهما إلى فترة التسعينيات، تخيل لاعب كرة القدم “جمال عبد الحميد” منهمكا في “تكسير” قطع الذهب أو المصوغات القديمة، تقف أمامه الفنانة فيفى عبده يتجاذبان أطراف الحديث، في مشهد ما زال عالقا في أذهان الكثيرين، ضمن فيلم “الصاغة” الشهير.


انقراض المهنة
“أنا والدى كثيرًا ما قال لي.. مهنتنا هذه لا يمكن أن تنقرض أو تختفي”، يمسك بالمنشار الصغير ذى الحواف المدببة، يقربه من عينيه ممسكًا بقطعة معدنية مربعة الشكل، يبرى حوافها لتبدو أكثر حدة وصلابة، الأجواء حوله دافئة لدرجة لافته للنظر، ينبع الدفع من “البوري” أو الأنبوب المعدنى الذي يوصله “أحمد جمال” 30 عاما، بأسطوانة بوتاجاز لتوقد فوهتها وتساعد في صهر السبائك، بالرغم من الأجواء الصعبة التي تحيط بأحمد، فإنه ما زال يحيا على ما مضى من أيام كانت الورشة تعج بـ”الصنايعية” و”الأسطوات”، “مكنش حد بيعرف يقف وكل بورى عليه أكتر من 4 صنايعية”.

صهر الذهب
يقول عم لطفى أحد العاملين بمهنة تكسير وصهر الذهب بمنطقة خان الخليلى في حى الحسين، “أغلب الناس يعرفونا من خلال فيلم فيفى عبده الصاغة، إحنا أصل الصنعة، ذهب مصر كله خرج من تحت إيدينا”. طابع التوارث وتعاقب الأجيال الحاملة لموهبة صهر الذهب وتكسيره، هو الأكثر شيوعا في الربع ذى الطرقات المتداخلة والممرات الضيقة، فكثيرا ما تجد حفيد صاحب الورشة ممسكا بأدوات جده، أو ابن صاحب ورشة أخرى يترأس مجموعة من الصنايعية المنكبين على قطعة نحاسية أو فضية.

يترك “أحمد” المنشار ويطفئ “البوري”، يعتدل في جِلسته، ويستعيد ذكريات 25 عاما، حينما كان في السابعة من عمره يأتى بصحبة والده إلى الورشة، يتشرب المهنة التي حتم عليه أن يتحملها، حتى يتوفاه الله.

مهنة اليهود
يقول أحمد “والدى كان بيقولى إن شغل تكسير الذهب اليدوى ده كان ليه قيمة كبيرة، هو تشربه من اليهود والأرمن في حارة اليهود”، فأصل صناعة وصهر الذهب في مصر يعود لليهود “المزارحيين” أو ما يعرفون بيهود مصر، وتعلمها عم جمال والد أحمد عن طريق هؤلاء الأفراد، “اليهود والأرمن علموه إن الصياغة مهنة عمرها ما يعفى عليها الزمن، لكن للأسف هو لا يعرف ما وصلنا إليه في أيامنا دي!”.

العمال في مهنة كسر الذهب أو صهره لإعادة تشكيله، لديهم أسلحتهم الخاصة التي يخوض بها غمار الحرب، “الأدوات دى من الأربعينيات، مبتتغيرش”، على رأسها يأتى “البوري” أو فوهة اللهب، والنوفيخ كما كان يطلق عليه قديما، أيضا يتم استخدام “التازجة” وهى المنضدة الخشبية التي يضع عليها العامل أدوات ويبدأ في “بري” الذهب أو النحاس أو الفضة، تختلف التخصصات التي يتفرد كل عامل عن غيره فيها، ما بين المتخصص في صناعة الذهب الفرعوني، أو الكردان الصعيدي، أو الأساور والأقراط غيرهم، لكن يظلان البورى والتازجة، هما الأداتان الأساسيتان، “لا غنى عن الحاجات دى في صانعتنا”.

ورش الذهب
تعلم أحمد الحرفة منذ كان في السابعة من عمره، يتذكر أياما كانت برادة الذهب تتناثر في أرجاء الورشة متوسطة المساحة، فيعيدون جمعها واستخدامها في صناعة مقابض الأبواب المذهبة أو الخزانات، “البرادة دى زمان كان لها ألف حساب، كان ممكن بخطوة واحدة برجلك جوه الورشة، تشيل كنز وتمشي!” يتحدث أحمد بنبرة ساخرة، ساخطة على ما وصل إليه ربع السلسلة من تردى وموت على قيد مائة جنيه “يومية الصنايعي”.

يواصل عم لطفى عمله، بينما تظل اليد الأخرى مشيرة إلى قطعة حديدية أسطوانية الشكل، مصقولة من الداخل، “دى اسمها البوتقة، الذهب بييجى حل أو غويشة أو خاتم، بحطه جوه البوتقة، وأسلط اللهب النار الصادر من البورى على جدار البوتقة، حتى ينصهر تماما”، يصبح أكثر ليونة، ليضيف عليه العامل مادة “التنكار” لتجعله أكثر صلابة.

تغيير النشاط
ويضيف “الذهب بييجى عيار 90 و60 أو بندقة أو 21 أو 18، كنا بنفرق بينهم من خلال “التحييفات” أو العيارات، وبنستخدم في التحييف النحاس الأحمر والفضة والتنكار”، إضافة للنحاس الأحمر أو الأصفر على الذهب والفضة، طريقة استحدثها والد أحمد جمال وزملاء العمل، لأن صناعة القطعة الذهبية من الذهب الخالص يجعلها لينة وسهلة الطى والكسر، “النحاس والبلاتين يعطوها صلابة أكثر”، ويؤكد “90 % من محال تكسير الذهب حاليا غيرت نشاطها وبتشتغل على النحاس والفضة".
Advertisements
الجريدة الرسمية