رئيس التحرير
عصام كامل

الرسالة والرسول


شاء الله تعالى أن يختم الرسالات السماوية برسالة الإسلام، تلك الرسالة التي حققت المعادلة والموازنة في العبادات والمعاملات، والتي لم تتحقق في الرسالات السماوية السابقة، فإذا نظرنا إلى رسالة كليم الله سيدنا موسى عليه السلام، وهي التوراة نجد أن الجانب المادي غلب على الجانب الروحي، حتى المعجزات التي أيده الله بها، كلها معجزات مادية، وهكذا إذا نظرنا إلى رسالة سيدنا عيسى عليه السلام، نجد أن الجانب الروحي كان غالبا على الجانب المادي، حتى المعجزات التي أيده الله تعالى بها كلها معجزات روحية، وجاء الإسلام ليحقق المعادلة بين الجانب المادي والجانب الروحي، وبذلك فهو دين حياة دين دنيا وآخرة.


ومن كمال منهج رسالة الإسلام أنه لم يهمل أي جانب من جوانب الحياة، ولا أي شأن من شئون الإنسان الدنيوية والأخروية، والإسلام نظم حركة الإنسان في الحياة حتى يحقق الخلافة في الأرض، والتي تتلخص في ثلاث هي:

عمارة الأرض، وإقامة العدل الإلهي في ربوعها، ونشر الرحمة الإلهية بين عوالم الخلق.

هذا ورسالة الإسلام تدور حول ثلاثة محاور وهي، العقائد والأصل فيها الإيمان بالله عزوجل، وبالعوالم الغيبية، ومنها الملائكة والكتب المنزلة من الله تعالى والرسل، واليوم الآخر، وقضاء الله خيره وشره حلوه ومره والتوحيد الخالص لله تعالى، والإيمان بأنه عز وجل لا شريك له، ولا ند له، ولا ضد له، ولا شبيه له، ولا كيف له، وأنه متصف بصفات عليا، وأسماء حسنى، وأن له تعالى صفات تنزيه، وأخرى تشبيه.

ولعل في قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، إشارة لذلك، وأن صفاته عز وجل تخالف صفات خلقه، فيقابل قدرته عجز الخلق، ويقابل قوته ضعف الخلق، ويقابل غناه افتقار الخلق، ويقابل علمه جهل الخلق، ويقابل ديموميته وبقاءه فناء الخلق.

وهكذا في كل الصفات، هذا عن المحور الأول، وأما عن المحور الثاني لمنهج ورسالة الإسلام هو ما يتعلق بالعبادات، وهو محور لا غلو فيه ولا تشدد ولا رهبانية فيه، وذلك لوسطية الإسلام، وفي قول نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله وصحابته الكرام: "أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"، إشارة وبيان إلى ذلك.

هذا وأما عن المحور الثالث لرسالة ومنهج الإسلام وهو المعاملات، فهو خلاصة الدين وثمرة العبادات بالمفهوم الصحيح، وهي الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدين المعاملة"، أي حسن وطيب المعاملة، وهذا للأسف الشديد ما نفتقده وما نحتاج إليه حقا، فبحسن المعاملات تحيا وتطيب وتستقر الحياة، وينعم العباد، فعلى أثرها يسود العدل وتعم الرحمة ويسعد البشر.

هذا والإسلام هو دين المكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة، وتأكيدا لذلك عندما أشار صاحب الرسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى فحوى رسالته ومضمونها قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، هذا ولقد انتقي الله عز وجل لرسالة الإسلام خير خلقه وصفوتهم وأحبهم إليه سبحانه، وأقربهم منه، وهو سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي أدبه ربه عز وجل، فأحسن تأديبه، وهو المتأدب بالأداب الربانية، المتخلق بالأخلاق القرآنية، وهو الذي ترجم أخلاقيات الإسلام قولا وعملا وفعلا وسلوكا، وكان بحق كما وصفته أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بقولها (كان خلقه القرآن). 

وكما وصفه الصحابة رضي الله عنهم بقولهم: (كان قرآنا يمشي على الأرض)، هذا ولقد أدى الرسول الكريم أمانة الرسالة على الوجه الأكمل، وبلغ الرسالة حق البلاغ، ونصح للأمة خير النصح، وكشف الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم جازيه عنا خير الجزاء. 

هذا وإذا نظرنا لحال الأمة المتردي والسيئ لوجدنا أن السبب الرئيسي هو ابتعادنا عن هدي نبينا الكريم وسنته الرشيدة، هذا وإن البعض منا للاسف، قد انحرف انحرافا شديدا عن وسطية الإسلام واعتداله، نتيجة أفكار مغلوطة، والأصل فيها أنها مغرضة، عمل أصحابها على الإساءة للإسلام وتشويه صورته التي يعلوها الاعتدال والرحمة والتسامح والإحسان في كل وجوه الحياة، هذا ومعلوم أن هناك مؤامرة صهيونية غربية تحاك بالإسلام والمسلمين.. ومن هنا يجب المواجهة بكل قوة وحزم، وفي نفس الوقت العمل على تصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة والمتطرفة ممن تم تضليلهم وتغريرهم باسم الدين والجهاد في سبيل الله، وفي الختام أدعو الله أن يأخذ بأيدينا ويعيدنا إلى حظيرة الإسلام وبعيذنا من كل شر وسوء.
الجريدة الرسمية