رئيس التحرير
عصام كامل

الخوارج.. أصل التكفير والعنف (٢)


في المقال الفائت تناولنا كيف نشأ الخوارج في زمن الإمام علي (رضي الله عنه).. وفي هذا المقال نلقي ضوءا على الطبيعة الفكرية الخاصة بهم، وقد أجمع الكثير من الباحثين على أن الخوارج كانوا يتميزون بضعف العقل وقلة العلم وسطحية الفكر، علاوة على قسوة القلب وغلظة الطبع.. وقد بدأت إرهاصات ظهور هذا النمط الغريب على الساحة الإسلامية منذ عهد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم).. يدل على ذلك أنه عندما كان النبى (صلى الله عليه وسلم) يوزع بعض الغنائم وزاد المؤلفة قلوبهم في الأعطيات، فقال له أحد الأعراب من بني تميم محتدا على القسمة:


"يا رسول الله اتق الله، قال: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله".

فقال خالد بن الوليد (رضي الله عنه): يا رسول الله ألا اضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله يكون يصلى.. ثم قال (صلى الله عليه وسلم): إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم (وفي رواية: يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم)، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".. وضئضئ: بمعنى أصل الشيء وجنسه، والمراد: من كان على شاكلته وصفته قولا وفعلا..

في كتابه "نظام الحكم في الإسلام"، يقول د. أحمد عبد الله مفتاح: إن طبيعة التكوين الفكري للخوارج تحكم فيه عاملان؛ عامل بيئي، وآخر ديني.. فأما العامل البيئي فيتمثل في أن الغالبية العظمى منهم كانت من الأعراب، كبني تميم وبكر بن وائل، حيث كانت بداوة الأعراب بما طوت من حدة وخشونة وحماس جارف وتسرع في إبداء الرأي والتطرف فيه، علاوة على التململ من الخضوع للسلطان والحكم المركزي، فضلا عن طبيعتهم المميزة التي اكتسبوها من بيئتهم الصحراوية القاسية والجبلية الوعرة..

وفي كتابه "النظريات السياسية لدى الفرق الإسلامية"، يؤكد د. أحمد محمود صبحي هذا الأثر البيئي بقوله: "فالطبيعة القاسية والمناخ القاري، الذي لا يعرف الاعتدال، لا بد أن ينعكسا على نمط تفكير الإنسان وعقيدته، كما ينعكسان على حياته الشخصية، ومن ثم كان التطرف إلى حد تكفير المخالفين وقتل النساء والأطفال"..

أما العامل الديني كما جاء في كتابيّ: "الفصل في الملل والنحل- لابن حزم"، و"تيارات الفكر الإسلامي- للدكتور محمد عمارة"، فيتمثل في أنهم كانوا أعرابا قرأوا القرآن وحفظوه وتوقفوا عند المعنى الظاهري لآياته، كما كانوا غير متفقهين في السنن الثابتة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وإلى هذا ذهب د. مصطفى حلمي في كتابه "نظام الخلافة في الفكر الإسلامي"، وأضاف أنه لم يكن منهم أحد من الفقهاء المعروفين في ذلك الوقت لتبصيرهم بما خفي عليهم من دقائق الفقه امثال أصحاب ابن مسعود أو عمر وعلي وعائشة وأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وسلمان وزيد وابن عمر..

من ناحية أخرى، يصف د. أحمد أمين الخوارج في كتابه "فجر الإسلام"، فيقول: "كانوا على درجة من الزهد والورع والتنسك لا يكاد يصدق بها من يقرأ أخبارهم".. (وللحديث بقية إن شاء الله).
الجريدة الرسمية