رئيس التحرير
عصام كامل

عصر الرومانسية الوطنية


ربما تذهب الحالة الحالية للدولة المصرية في تصنيف انتقل بها من الواقعية الوطنية إلى الرومانسية الوطنية، ولا بد أن نعترف أن اكتمال الإحساس بهذا الشعور الرومانسي الوطني تجسد أمس في خطاب كشف الحساب، تحت عنوان (حكاية وطن)، فقد سادت الحضور داخل القاعة، والشعب بالملايين خارجها مشاعر دافقة، طفرت فيها الدموع، وهم يشاهدون الفيلم الافتتاحي الذي روي بصوت غاية في المصرية والتأثير والشجن، سيرة حياة وطن يمضي بين المؤامرات والانتصارات والإنجازات فلا ينكسر..


كما اهتزت المشاعر مرات عديدة والرئيس السيسي يتحدث عن صبر الشعب حتى عجز الصبر، والشبع من الجوع، أي لم يجع أحد، ولا عطش أحد، وكان الرئيس رومانسيا في هذه الصياغة المتسمة بالوجد القومي، يمكن أيضا أن نلاحظ حالة الفرحة والثقة والطمأنينة على ملامح رئيس البلاد، ومنبعها جميعا إحساسه أنه أدى الواجب وعمل "الهوم ورك"، ووفى بوعده، ولم يخذل ناخبيه وغير ناخبيه، ولم يكذب، ولم يتزين لكذب.

من الصعب على الكاتب أن يحبس إحساسه بالحقيقة الجميلة مخافة أن يظن به القارئ منافقا، أو طامعا في منفعة، إذ لا منافع اليوم إلا للراقصات والجهلة في الإعلام والصحافة، لكني لا أبالي، فهذه مشاعري نحو رجل بمعنى الكلمة، مؤمن بمصر وبشعب مصر وعارف قدر وقيمة وقوة هذا الشعب، لماذا يصبر المصريون على الآم جراحة الإصلاح الاقتصادي، بينما لا يصبر عليها التونسيون ولا السودانيون؟ كان ذلك موضع فخر الرئيس واعتزازه بشعب مصر..

نحن شعب الصبر والجلد، هذا أولا، وثانيا، أن الإدراك العام كان أن سفينة الوطن مشرفة على الغرق، وأن الاقتصاد يتداعى، والأعداء على الأبواب، والرجل يريد إصلاحا جذريا، ثم هو لم يكترث لشعبيته، واعتبر أن من الخيانة أن يؤجل أو يزيح عملية الإصلاح إلى كتفي رئيس قادم من بعده، أو يخدع الشعب فلا يعلن بدء التعويم في ١١ نوفمبر ٢٠١٦، ثم يعلنها بعدها في أي وقت لاحق.. رجل بهذه الدقة والأمانة قدم المصلحة العامة على مجد شخصي باهت يمحي عاجلا أثر اكتشاف الناس أنه أناني خدعهم، لا بد أن يترك راحة واسعة في صدور الناس، ويملأ عقولهم بالحجج المنطقية المقنعة وبالثقة..

وبالتالي فإن أي إجراءات لاحقة لن تحتاج منه تسويقا وإقناعا مضاعفا لأنه رئيس تم اختبار مصداقيته، لا تتحقق عادة هذه المشروعات الضخمة العديدة في فترة وجيزة، إلا إذا كان الحاكم من أصحاب الحلم والرؤية، ومعيار المهارة السياسية هو مدى نجاحه في جذب الآخرين إلى المضي أمامه وبجواره نحو الحلم والرؤية، مقتضى ما أقول إن الرئيس لا يعمل بالقطعة ولا جزءا جزءا، ولا يلجأ لشغل المقاولات في الترميم والترقيع، بل يعمل وفق إستراتيجية حتى العام الثلاثين.

لم يكشف الرئيس عن مشروعات عديدة جديدة تجري وجرت، ولسوف يزيح عنها الستار وشيكا، وكان فخورا أن المشروعات تتكلف تريليونات، وأن مصر"جامدة قوي"، كما قال في افتتاح مشروعات مدينة السادات، يبقى أن نطرح ما التبس على الناس من أنه كيف لدينا تمويل هائل للمشروعات ومازح الرئيس الشعب أن لا تسألوني عن مصدر التمويل، وفي الوقت ذاته يُكاشفنا الرئيس أن الدولة تقترض المرتبات والمعاشات وتدفع فوائدها وستظل تفعل!

بصفة عامة، يمكن القول إن الخطاب تمهيد للفصل الثاني من ولاية رئيس دارس وفاهم و"عايش" هموم الوطن والإقليم، ولسوف يأتي الخير بإذن الله.
الجريدة الرسمية