رئيس التحرير
عصام كامل

مسئولية أساتذة القانون فى الأنظمة القمعية.. (1)


مصر ليست الدولة الوحيدة التى عرفت ديكتاتورية متخلفة، خدم فيها طرة من أساتذة القانون أنظمة قمعية تميل إلى الاستحواذ والهيمنة وقمع الحريات وتضئيل الضمانات القضائية المقررة لصالح عموم المواطنين.. ولا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى شهدنا فيها أساتذة القانون يخدمون السلطة القمعية إلى حد إعطاء النظام الحاكم كافة المسوغات القانونية والدستورية لانتهاك المبادئ القانونية والدستورية العامة والتحايل على القانون بل وقمع الحريات علنا.


صحيح أنه فى جعبتنا الكثير من المخزيات التى تضحك من الأسي طلاب الحقوق لجهلها وطرافتها، وصحيح أيضا أننا لا ننسى قط التصريحات المشينة التى يندى لها الجبين خجلا وتلجم اللسان عارا إذا صدرت من سياسي، فما بال أنها تصدر ممن يعلم أجيالا بكاملها نظم الحكم ومبادئ سيادة القانون والدولة القانونية!!!.


فلقد سبقتنا فى تجربة التاريخ المظلم ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خلال ثلاث ديكتاتوريات عرفتها أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.. ولا أحد ينسى من زملائى أساتذة القانون فى فرنسا مقالات العميد بونار فى مجلة القانون العام الفرنسية فى أوائل الأربعينيات التى كانت تدافع عن حكومة ڤيشى التى أزهقت سيادة القانون  والديمقراطية وفكرة الجمهورية ذاتها بإعطاء فيليب بيتان سلطة إصدار إعلانات دستورية أهدرت الحريات وانتهكت الحقوق، فما أشبه اليوم فى مصرنا بالبارحة فى فرنسا.

ومن منا فى أوروبا كلها ينسي دور كارل شميت فى ألمانيا النازية وهو من أكبر فقهاء القانون الدستورى وقد قام بوضع النظريات التبريرية للأفكار التى قامت عليها القرارات السياسية المتخذة فى ظل النظام النازى فى كتابه عن اللاهوتية السياسية ومؤلفاته عن نظرية الدستور وعن فكرة "الصديق والعدو السياسي"!..

ومن منا ينسي رموز المدرسة الوضعية الإيطالية فى القانون و دفاعها المستميت عن السلطة أيا كانت وأيا كان استبدادها بحجة شرعية السلطة وللحفاظ على إيطاليا القوية.. والفارق الوحيد بين أستاذ القانون الموالى للنظام القمعى الفرنسى أو الألمانى أو الإيطالى وأستاذ القانون الموالى لنظام مبارك أو النظام الحالى هو فارق فى القامة والمعرفة العلمية أى فى مستوى العلم والفقه.


 فأساتذة القانون الأوروبيون رغم مسئوليتهم المباشرة عن استمرار هذه النظم فى الحكم لسنوات وتبريرها قانونا، فإن منهم من كان من أصحاب الفقه ولهم قامة علمية متميّزة ورفيعة، كما أن لهم أيضا سقطات كبرى وهى خيانتهم لشعوبهم موالاة للحاكم.

أما فى مصر، فالتجربة مختلفة نسبيا لأن أساتذة القانون الموالين للنظام الحالى أو السابق لا يمكن أن يقارنوا لا علما وفقها ولا قامة بالعميد بونار أو بالأستاذ بارتليمى أو بكارل شميت أو بغيرهم.

فالضعف العلمى والبدائية فى التحليل والنظرة العابرة، فضلا عن الفكر السطحى إنما ينزل ببعض التصريحات إلى حد الجهل المبين وهو ما يمثل فارقا جوهريا بين المثل الأوروبى والمثل المصرى.

ومع ذلك.. فكل هذه الأمثلة السيئة لأساتذة القانون تفسرها فترات الأزمات وتفرزها أيضا، وفى مصر من هذه الزاوية فقط لا يختلف كثيرا عما حدث فى أوروبا، فهناك مسئولية جسيمة على عاتق أساتذة القانون فى النظم القمعية أو فى البلاد التى تعرف فترات التحول نحو نظام قمعى، ولا نقصد بالنظام القمعى هنا نظاما يفرز انتهاكات للحريات وحسب،  بل نقصد نظاما يسد كافة النوافذ لتقييد السلطة وإقرار الضمانات القضائية للحريات ولا يحترم سيادة القانون ولا أحكام القضاء ويقاتل معارضيه فى سبيل منع تداول السلطة.


وللحديث بقية...

الجريدة الرسمية