رئيس التحرير
عصام كامل

خزعبلات الإسكان


أثارت الكاتبة الصحفية الكبيرة داليا جمال قضية أرض الإعلاميين بطريق الواحات البحرية، في مقالها الأسبوعى بأخبار اليوم، مخاطبة ضمير الدولة التعامل مع الأمر بواقعية، بعيدا عن الفكرة المغلوطة، حول تسمية الأمر بأرض "توفيق عكاشة"، حيث إن هذه الأرض تحت يد ٧١٢ عضوا من الإعلاميين والصحفيين وأسرهم وغيرهم، ولاعلاقة لعكاشة بالأمر سوى أنه كان رئيسا لمجلس إدارة الاتحاد.


شرحت داليا الموقف بعبارات دقيقة، دون الخوض في تفاصيل لا تكفيها صفحات صحف، وتمتد إلى ماهو أبعد من عام١٩٩٩م، عندما وصلنا إلى منطقة كان الوصول إليها ضربا من المغامرة، واخترنا أن نستثمر فيها وفق القوانين واللوائح المعمول بها في هذا المجال، غير أن رد هيئة المجتمعات العمرانية جاء مجافيا للحقيقة، بل وتعدي حدود اللياقة، بان وصف الإعلاميين بأنهم "سقعوا الأرض" ولم يستثمروا فيها.

والحقيقة التي لا مراء فيها تخالف ما جاء في رد الدكتور طارق السباعى، لأنها تغفل كل جهودنا مع الدولة، والمخاطبات خير دليل على ذلك، بل إن هذه المخاطبات تعد وثيقة تاريخية على أن الفساد هو سيد الموقف على الأرض، فهيئة عمليات القوات المسلحة منحتنا موافقتها، كما حصلنا على كل موافقات الجهات اللازمة في هذا الأمر، وحفرنا آبارا، وكانت نتيجة التحاليل زيادة ملوحة المياه.

لم نتوقف عند هذا الأمر، بل سعينا مع كافة جهات الدولة للحصول على حصة من المياه المعالجة دون جدوي، ولم نيأس بل إن بعضنا زرع أرضه بنقل مياه على "الفناطيس"، ومنا من أقام مزارع دواجن، ومنا من أقام مشروعات تسمين حيوانية.. أنشأنا طرقا، ومنطقة خدمات، وعبدنا الطريق الأسفلتي على نفقتنا، وقمنا بكل ما يلزم للحفاظ على حقوق الدولة.. خاطبنا الجهات كافة مع اختلاف ولايات الأرض للتقنين، ودفع مستحقات الدولة دون جدوى.

ونقول للمهندس طارق السباعى إن الخرائط التي بحوزتنا وضعت بموجبها القوات المسلحة شرطا حاسما، بعدم تغيير الكيانات الموجودة على الأرض، وضمن هذه الكيانات كياننا، ووضعت هذا الشرط جزءا من صحة تعاقد وزارتكم مع القوات المسلحة، وهو الأمر الذي يؤكد وجودنا هناك قبل وجودكم أنتم كوزارة.

عفوا يادكتور طارق، لسنا لصوص أراضي، ولسنا ممن "يسقعون الأرض"، فهؤلاء أنت تعرفهم جيدا، ونحن أيضا، ولم يكن يليق بك وأنت مسئول أن تتهم شرفاء بما ليس فيهم، وقبل هذا وذاك عليك بمراجعة المستندات والأوراق والمخاطبات التي عشناها وعايشناها طوال ثمانية عشر عاما بين دهاليز الحكومة وأدواتها البيروقراطية العفنة.. كان لزاما عليك قبل أن تحرك بلودزارات الهدم أن تسأل جيدا قبل أن تصيب ٧١٢ أسرة بما أصابهم، فإن لم تكن ترى فإن الله يرى.

إن الحقيقة الواقعة أننا أنفقنا كل ما نملك في هذه الأرض، من طرق وإنشاءات ومصاريف حراسة، وحاولنا، وعليك أن تسأل المهندس إبراهيم محلب كيف اقتنع الرجل بملف الإعلاميين، وكان في طريقه لتقنين أوضاعنا، إذ لا يجب عليك كوزارة إسكان أن تلغي موافقة وزارة الدفاع، وحالتنا ينطبق عليها ما ينطبق على أرض الرقابة الإدارية، حيث إن الملاك في أرض الرقابة خاضوا نفس المعركة للحصول على مياه من أجل الزراعة، ولم تسعفهم جهات الدولة وقد تفهمت الدولة وضعهم وقننت لهم أوضاعهم.

ويدهشنى أنه في عهدكم الميمون وصل سعر الشقة في الصحراء إلى الملايين من الجنيهات، ولولا مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي لتحولت بلادنا إلى ملجأ لمواطنيها النائمون على الأرصفة..

إن مشكلة مصر ليست في سعى الناس من أجل إيجاد فرصة للعمل والاستثمار، وإنما مشكلتها أن شعبها لا يزال يعيش على أقل من ٥٪ من أرضه، وسعر متر الأرض وصل في عصركم المبارك إلى آلاف الجنيهات.. الأرض ليست تجارة.. الأرض واحدة من وسائل التنمية.

إن الواقع يفرض على الدولة أن تحاسب وزاراتها على تقاعسها، بعد أن خاطبنا الجميع، ولدينا المستندات الدالة على ذلك، خاطبنا الدولة ممثلة في وزاراتها وهيئاتها لندفع مستحقات الدولة، ورغم تفهم الوزير الأسبق أحمد المغربى إلا أن أحدا لم يتحرك منها.. كيف تتقاعس الدولة عن الحصول على مستحقاتها لتأتى وزارتكم وتحاسب الضحية الذي طرق كل الأبواب ليدفع ما يطلب منه دون رد!!

إن مشكلة الإعلاميين أنهم اقتحموا ما كان في حينها صحراء جرداء.. الإعلاميون سبقوا الدولة مثل حال الشعب الذي يسبق حكوماته دوما، فتكون المشكلة في وصولكم متأخرا لمصادرة حقوق الناس، واللعب بما بذلوه من جهود على مدار سنوات العمر.. إن من بيننا من هرم في ارضه منتميا إلى حلم، بفضلكم تحول إلى كابوس، وأخيرا لن نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، وساحات المحاكم بفضل الله لاتزال بعيدة عن نفوذ أي سلطان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.
الجريدة الرسمية