رئيس التحرير
عصام كامل

عم ممدوح أقدم كومبارس بمصر: فيه فنانون أخلاقهم وحشة تقوله إزيك يتعالى وما يردش

فيتو

  • بوظنا شغل كتير قبل كده بسبب مساعدين مخرج قالوا كلام خارج
  • أدينا بنقضي اليوم وخلاص لحد ما ييجي الأجل
  • النهارده ممكن نشتغل يوم كامل وييجي في الآخر مساعد المخرج يقول لنا "اللي مش عاجبه يروح"
  • على قهوة بعرة وعماد الدين عاصرت فريد شوقي وزكي رستم وكاريوكا وشكري سرحان
  • ضيعت فرص كتير علشان مكنتش بعرف أتنازل وأقدم حاجات غلط
  • كنت بتاع مشكلات في الحق طول الوقت
  • والدي كان شيخا وشايف الممثلين ناس بتشرب ووسط ضايع
  • استسلمنا ورفعنا الراية البيضا علشان نعيش ونلاقي ناكل

يقابلك بابتسامة مبهجة تشع أملًا وحياة، وروح تملأ الدنيا سعادة وكأنه طفل يمسك بالحلوى ويغني "الحياة بقى لونها بمبي" يرددها فتملأ مسامع الدنيا، ويعرفه الجميع بروحه تلك الشابة التي ترفض أن تشيخ، يغني رغم أنه لا يوجد سبب للغناء، يرفع صوته بالحب ويحتضن الجميع بين أضلاعه رغم أن أحدًا لم يحتضنه، يقابلك بابتسامته، فيجعلك تشعر أنك أمام شاب في ريعان شبابه، ووجه لم تتكالب عليه تجاعيد الزمن، ولم يحفر في روحه وجسده شقوقه التي ملأتها الخلايا السرطانية الخبيثة، وانتشرت فيها حتى باتت كل سبل العلاج معها لا تغني ولا تثمن من جوع، يقنعك أنه قاوم كثيرًا وملأ تلك الشقوق بمياه الصبر تارة ومياه الأمل تارة أخرى، عل تلك المياه تنبت في شقوق روحه وجسده زهره تحيا له ويحيا لها، تنظر لوجهه فترى أمامك رجلا في العقد السابع من عمره تلمع عينيه بلون أخضر كلون الحياه التي حلم بها يومًا، وكأن حلمه الكبير أصبح سجينًا في تلك العين الساحرة، يقنعك بكل ذلك وأكثر وهو صامد في مكانه يستخدم أسلحته الخاصة بنظراته الساحرة وملابسه المنسقة المميزة، وكأنه أمير هارب من العصر الذهبي للسينما، وأنفاسه وكلماته المشبعة بروح الزمن الجميل، إنه "ممدوح علي إبراهيم" أو "عم ممدوح" كما يحلو للجميع مناداته هناك في مقهى بعرة والمقاهي المحيطة به.

بمجرد أن يدخل "بعرة" أو المقاهي القريبة منها يناديها الجميع وكأنه الزعيم عادل إمام، يحتضنهم ويحتضنوه فهناك عالمه الخاص، وحلمه، وحياته، وبمجرد أن تقترب منه ويحكي لك قصته ورحلته مع الفن تنكشف أمامك الحقائق كامله وتتأكد أن كل ما اجتهد ليقنعك به ليس إلا قناعا يرتديه ليحيا ولا يشعر أحد بعجزه وضعف حيلته، يفتح قلبه ويزيل الغبار عن تفاصيل وأسرار تفضح كل شيء وتؤكد أنه كهل يحمل كفنه على يديه وينتظر موعد وفاته على أحر من الجمر، تندهش بعد سماع قصته وتسأل نفسك "كيف لهذا الوجه وتلك الروح المبهجة أن تحمل كل ذلك وأكثر وتصمت وتخرج للجميع بكل تلك الحيوية والحياة".

"كنت بنزل عماد الدين وأنا طفل"، هكذا بدأ "عم ممدوح" يروي تفاصيل رحلته ككومبارس، واستكمل "وعلى بعرة وقهاوي عماد الدين شفنا فنانين كبار زي فريد شوقي وعادل إمام وسعيد صالح وزكي رستم ومحمد الكحلاوي وتحية كاريوكا وسامية جمال وشكري سرحان وأكبر فنانين مصر العظماء".

عاد برأسه للخلف واسترجع الذكريات، ووصف نجوم الزمن الجميل قائلًا "كنتي تمدي إيديكي تسلمي يسلموا ووشهم بشوش ويفتحوا نفسك تسلمي مكانوش متكبرين زي دلوقت واتعلمنا منهم الأخلاق وحب الفن وقعدنا معاهم واتعلمنا طريقتهم ولبسهم وحبيناهم حب تاني بره الشاشة ده الواحد منهم كان يقف لك علشان يسلم عليك".

وما بين مقاهي عماد الدين وقهوة بعرة "ملتقى الكومبارس الأول" بشارع سليمان الحلبي، و"ستوديو مصر"، كانت حياة "عم ممدوح" في بداياته ككومبارس، يتابع النجوم الكبار ويحقق حلمه برؤيتهم ويصافحهم فيصافح معهم أحلامه، ويجالسهم فيشعر أنه يتنفس فنا ويضحك فن ويحيا حياة الفن بتفاصيلها الصغيره، عرف طريق "الريجيسير" أيضًا خاصةً المشاهير منهم مثل شميس وعلي وجدي ومحمد مرسي، وعن طريقهم عمل مع مخرجين كبار وكان أول مخرج عمل معه محمود إسماعيل في مسلسلات "المنبوذ وبنت الحتة" وكان عمره وقتها 9 سنوات، وفي عمر الطفولة عمل مع توفيق الدقن وشكري سرحان وحسين صدقي.

تنهد قليلًا ثم قال عن حلمه الضائع "أحمد رمزي كنت حاسس أني هو واتعاملت معاه في وجه القمر ولما شفته طرت من الفرحة وخدته بالحضن واتأثرت علشان شعره كان وقع ومبقاش أحمد رمزي اللي نعرفه ولما كلمته اتأكدت أنه ابن ذوات بجد"، وبحديثه عن أحمد رمزي تذكر خطواته وبداياته ككومبارس والفرص التي أضاعها منه، واستكمل "ضيعت فرص كتير علشان مكنتش بعرف أتنازل وأقدم حاجات غلط وكنت بتاع مشكلات في الحق طول الوقت، وكمان والدي كان سببا وفاكر كويس أنه قالي عايز تشتغل في الفن أوعى تقولي لأنه كان شيخا وشايف الممثلين ناس بتشرب ووسط ضايع".

وبمجرد أن تذكر تلك الفرص الضائعة، وحلمه بالنجومية، وعمره الذي مر كشريط السينما أمام عينيه دون أن يحقق شيئا، وأمام يقينه الكامل أنه عاش كومبارس وسيموت كومبارس لا يذكره أحد سوى محبيه في "بعرة" ومقاهي عماد الدين، تجمد في مكانه كالتمثال الصامت المخيف في صمته، وغالب دموعه وقاومها حتى لا تغلبه وتسقط فتهز صورة الضاحك البشوش، "عم ممدوح" المعروف بروحه الشابه، وكأنه يقول لنفسه في تلك اللحظات "اجمد يا ممدوح متدمعش ولا تبكيش وإن مفضلش معاك غير قلبك أوعى تخاف".

مش هتموت.. هتعيش"، مرت تلك اللحظات القليلة ولم يقطعها سوى صوت ليلى مراد وهي تغني "اضحك كركر أوعى تفكر" وسط صوت الأكواب وأحاديث رواد المقهى، ليعود قائلًا "أحكى لك بقى على رشدي أباظة وأم صابر والنابلسي دي حكاية حلوة زي حلاوة زمان".

استكمل حكاية رشدي قائلًا "كنت بحب أتفرج عليه في ستوديو مصر وجنب الاستوديو كان فيه واحدة اسمها أم صابر كانت بتعمل طعمية ورشدي كان بياكل من عندها ومرة شافه عبد السلام النابلسي وكل معاه فعجبته وقال له دي كافيار مش طعمية ولما النابلسي شاف أم صابر والمكان اللي قاعدة فيه زي الخرابة قال له وديني المستشفى يا رشدي وضحكوا والنابلسي في الحقيقة كان دمه خفيف وإنف يعني كان يجيب 20 كرفتة علشان يختار منها واللي تتحب من قعدتها برضه تحية كاريوكا كانت جدعة وست الكل فعلًا".

ومن حكايات الماضي انتقل للحاضر والحياة المأساوية التي يعاني منها المجاميع و"الكومبارس" وتجاهل الجميع لهم والظلم البين لهم في ظل عدم قيام النقابة بدورها تجاههم، وعن ذلك قال "النهارده ممكن نشتغل يوم كامل أو أكتر كمان ويجي في الآخر مساعد المخرج يقولك اللي مش عاجبه يروح وفيه سلالة طالعة مهزلة وضيعت كل حاجة".

"أول أجر خدته كان 6 جنيهات ونص وكان مبلغ وقتها ودلوقتي بناخد 200 جنيه ولا بتأكلنا حتى واتكلمنا كتير عن أوضاعنا ومشاكلنا لحد ما يأست والنقابه بقت منظر بس والنقابة عملتها أنا وإبراهيم عمران وطارق إبراهيم واتأسست في البداية على شكل جمعية لممثلي الأدوار الثانوية وكان نفسنا يكون لها دور بس للأسف بقت صورة بس ومبقناش عارفين نخدم حد"، هكذا لخص "ممدوح" مشكلات الكومبارس وحلم النقابة الضائع، واستكمل "الشغلانة لمت وفيه ريجي كتير "ريجيسير" يعني مش معتمدين والمفروض النقابة كانت تعتمدهم وتحط قانون يحمي الكومبارس وكلنا بنسأل ليه النقابة مش معانا وبعد السنين دي كلها مش عارف السكة إزاي لأننا بننفخ في قربة مقطوعة ومش هتتملي أبدًا لازم يكون فيه كومبارس مثقف وإحنا بنفهم لدرجة بقينا أغبياء ومش عايزين نفهم بقى كفايانا كده".

ارتشف بضعة قطرات من قهوته الخاصة ثم تابع وهو يعتدل في جلسته، "فيه فنانون أخلاقها وحشة وكارهين نشتغل معاهم وبنشتغل بس علشان أكل عيشنا يعني ممكن تيجي تقوله إزيك يتعالى وميردش ويحسسك أنه نبي منزل ‘حنا عارفين بدأوا إزاي وبيزعلوا لما بنتكلم وكتير بوظنا شغل قبل كده بسبب مساعدين مخرج قالوا كلام خارج ومش بنتكلم علشان مش ورانا ضهر وأدينا بنقضي اليوم وخلاص لحد الأجل ما يجي علشان نعيش بس بقينا واخدينها معيشة دلوقتي والشغل بقى عار مش زي زمان فيه فنانين كانت بتشوفنا بناكل تقعد تاكل وسطنا الروح دي مبقتش موجودة يعني فاكر كويس علاء ولي الدين دخل عليه قبل كده بحلويات وقال لي انت الوحيد اللي مكلتش علشان خاطري أنا اللي جايبها أخلاقه كانت عالية جدًا وبيراضي الغلابة الناس دي مبقتش موجودة".

وعن مأساة الفنانين والكومبارس قال "يعني اللي صعب عليه عبد العزيز مكيوي اللي عرفناه في دور على طه مات في الشارع على الزبالة كنا بنشوفه ونقعده في الشارع وعقله راح من المجتمع اللي هو فيه والنقابة معملتلوش حاجة ده كان ماشي بالجلابية في الشارع كان بيصعب علينا حاله وكل واحد بيتخيل نفسه مكانه ومأساتنا دلوقتي كبيرة يعني ممكن نقعد طول النهار وفي الآخر يقولك مفيش أكل ولا مواصلات وممكن يخلع وميقبضكش ومفيش حد تشتكي له ولو فيه نقابة بتعمل دورها كان الكل هيحترمنا".

واختتم حديثه بنظرات امتزج فيها الحزن وخيبة الأمل بقناع الابتسامة المفتعل، وقال بصوته المتهدج وهو يضع يده على قلبه ويغالب دموعه "خلاص استسلمنا ورفعنا الراية البيضا علشان نعيش ونلاقي ناكل لأن ملناش ضهر ومحدش بييجي في صفنا".
الجريدة الرسمية