رئيس التحرير
عصام كامل

الشهيد إبراهيم عبد التواب بطل ملحمة كبريت (بروفايل)

فيتو

تظل ملحمة كبريت تاريخا مضيئا لرجال الصاعقة المصرية في الصمود والتحدي وفداء أربك العدو الإسرائيلي طوال ١٣٤ يوما من الحصار والقتال.


وسطرت الكتيبة 603 من اللواء 130 بر مائي، ملحمة بطولية بقيادة الشهيد البطل إبراهيم عبد التواب والذي يوافق اليوم الذكرى ٤٤ عاما على استشهاده في مكانه بكبريت وسط جنوده كما أوصاهم بتكفينه بعلم مصر.

ميلاد بطل

ولد البطل والفارس إبراهيم عبد التواب بمحافظة أسيوط في العاشر من مايو 1937 وكان والده متدينا محبوبا من أهل قريته، والتحق بالمدرسة الثانوية بالمنيا، وتعلم منذ الصغر الاعتماد على نفسه، وأسرع بتقديم أوراقه للكلية الحربية وكانت سعادته لا توصف عند قبوله بها فاجتهد حتى تخرج عام 1956.

كان متدينا جدا ويقرأ القرآن كثيرًا ويواظب على الصلاة ثم يتبعها بالتسابيح والدعاء لله سبحانه وتعالى، فلم يكن المصحف والمسبحة يفارقان جيبه ولقبه رفقاؤه وجنوده بالشيخ.

مواقع قيادية
تدرج البطل عبد التواب عقب تخرجه في مناصب القيادة المختلفة حتى تولى رئاسة أركان إحدى مجموعات الصاعقة، ثم أوكل إليه تشكيل كتيبة صاعقة خاصة من مشاة الأسطول للسلاح البرمائي الذي تم إعداد مقاتليه لحرب تحرير سيناء واختيار عناصره بدقة واحترافية وتدريبهم في الإسكندرية.

مهمة خاصة
كانت مهمة كتيبة البطل خلال حرب أكتوبر المجيدة، اقتحام البحيرات المرة الصغرى بتغطية من نيران المدفعية والقصف الجوى للطائرات المصرية، ثم التحرك شرقًا على طريق (الطاسة) ثم طريق (الممرات) لتهاجم وتستولى على المدخل الغربي لممر (متلا).

وبالفعل في الموعد المحدد ومع صيحات الله أكبر التي انطلقت من حناجر رجال القوات المسلحة تبث الرعب في قلوب الأعداء، انطلقت كتيبة البطل تقتحم البحيرات المرة الصغرى بنجاح تام وفي فترة زمنية صغيرة للغاية، بفضل التوجيه المميز للقائد الشهيد إبراهيم عبد التواب، حتى وصلت الكتيبة إلى البر الشرقى للبحيرات وبدأت تنفيذ الشق الثاني من المهمة بالسيطرة على ممر (متلا)، ورغم العقبات التي واجهت كتيبة البطل وشراسة العدو، إلا أن إيمان الرجال بنصر الله ورغبتهم في استعادة كرامة الوطن حولتهم إلى أسود مرعبة فرت أمامها مدرعات العدو ودباباته.

إصرار على النصر
استمر البطل ورجاله في تحقيق النصر وصد العدو عن الاقتراب إلى قوات المشاة التي تعبر القناة حتى صدرت الأوامر بمهاجمة النقطة الحصينة شرق (كبريت) والاستيلاء عليها يوم التاسع من أكتوبر 1973 وتحركت كتيبة البطل نحو نقطة (كبريت) الحصينة، حيث اعتمدت خطة الشهيد على استغلال نيران المدفعية والدبابات لاقتحام النقطة من الشرق والجنوب بسرية مشاة، في نفس الوقت الذي تقوم باقى وحدات الكتيبة بعملية عزل وحصار من جميع الجهات لمنع تدخل احتياطي العدو الإسرائيلي.

تحد صعب
ورغم قصف طيران العدو، واشتباك وحداته المدرعة في قتال ضار مع كتيبة البطل على بعد نحو 3 كم من النقطة الحصينة، إلا أن عزم القائد البطل ورجاله كان أقوى من أي عقبات، وسرعان ما انهارت قوات العدو وانسحبت قواته بالملابس الداخلية مذعورة خلف التباب القريبة، وانطلق خلفها رجال الكتيبة الأبطال ونجحوا في تدمير الدبابات عن آخرها ونجحت خطة أقتحام النقطة الحصينة وتم تطهيرها وتفتيش جميع الدشم والملاجئ، وارتفع علم مصر خفاقا عاليا فوق هذا الموقع وتعالت صيحات الله أكبر.

وكان لهذا الموقع أهمية فكان مقرًا لإحدى قيادات العدو الإسرائيلي الفرعية وملتقى الطرق العرضية شرق القناة والنقطة الخطيرة بين الجيشين الثاني والثالث وبإمكان قوات العدو الإسرائيلي اختراقها وتحقيق نصر، فكان تخلى العدو عن هذا الموقع شيئا صعبا للغاية وحاول باستماتة استعادة السيطرة عليه، حتى إن الهجمات الجوية كانت تستمر لساعات متواصلة وبقنابل بلغ وزنها الألف رطل، بالإضافة إلى هجمات الدبابات والمشاة.

شلل العدو
ورغم كل هذا لم تسفر محاولات العدو عن أي تقدم، وظل الموقع صامدًا واستمر الحصار مدة ١١٩ يوما، وتعاهد الرجال أنه لا تفريط في الموقع حتى آخر طلقة وآخر نفس.

كان البطل إبراهيم عبد التواب قدوة في تحمل آثار الحصار لكل الجنود، فكان أقل رجاله استهلاكًا للمياه والطعام بل أنه في بعض الأحيان كان يتنازل عن التعيين الخاص به لمن يرى عدم قدرته على تحمل حالة التقشف التي اتبعتها الكتيبة منذ اليوم الأول للحصار وانقطاع الإمداد من الجيش المصرى وحتى بعد إخلاء الجبهة كاملة من أي إسرائيلي ظل المكان الوحيد المحاصر هو النقطة القوية كبريت.

وفي يوم ١٤ يناير ١٩٧٤ أي بعد حرب أكتوبر بأربعة شهور من الحصار للأبطال وبينما كان البطل يواجه إحدى غارات العدو، استشهد بين رجاله وتم تكفينه بعلم مصر ودفنه بجوار رجاله داخل الموقع حتى فك الحصار في ١٤ فبراير ١٩٧٤ بعد شهر من استشهاده وتم نقل الجثمان فيما بعد إلى مقابر الشهداء وتسليم المصحف الخاص به والسبحة لابنته منى طبقا لوصيته.
الجريدة الرسمية