رئيس التحرير
عصام كامل

الوحدة في التنوع


المشهد في السنوات السابقة وعلى وجه الخصوص الشهر الماضي يقدم فيه المصريون نموذجًا للوحدة مُعبرين في أعماقهم أنهم غير مستعدين لربط مصر بأى نوع من أنواع الصراع الدينى، ولم تتأثر العلاقات بين الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه باهتمام الإعلام الغربى ببث الفرقة، إن مشاعر اللحمة الوطنية المتأصلة عبر التاريخ هي السبب وراء تجاهل وإنكار أي خلاف أيًّا كان وبمقتضى هذا النموذج للوحدة الذي يقدمه المصريون على المستوى الشعبى هو صورة موحدة للتضامن بين أبناء الشعب، وهو في الحقيقة واقع معاش..


ولن أرجع إلى الوراء كثيرا في التاريخ كشاهد على ذلك لأنه يتطلب صفحات وصفحات تُدرس في المناهج التعليمية والتربوية، وربما ألقى الضوء على سبيل المثال لا الحصر على نموذج الوحدة فى1919، لحماية أرض ضد الاستعمار ومحاولاته المستميتة في بث الفرقة والانقسام ولكنه فشل بصورة سطرها التاريخ.

وإذا توقفنا عند مشهد 30 يونيو وتلاحم الشعب المصرى بصورة مثلت أيقونة لتخليص مصر من أيديولوجية إرهابية؛ بل تابع الشعب المصرى هذا الجهاد الوطنى المتمثل في نموذج الوحدة للتصدي للإرهاب مع الدولة واحتمال التحديات الاقتصادية من أجل بقاء وجود وطن ووجود دولة بشعبها، بداية بضرب الشرطة والجيش والكنائس والجوامع، بل وفى الأيام السابقة وجدنا ملحمة حلوان الشعبية بين المسلمين والمسيحيين للتصدي للإرهابيين، وتجلت مشاعر الوحدة حينما فرح الشعب المصرى كله ببناء كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية...

وهذا يدل على إدراك الشعب المصرى على أن دور العبادة كلها ملك للشعب المصرى بل تمثل جزءا من الثقافة والتراث والتاريخ، هنا يتجلى ظهور عنصر قوى من عناصر الهوية المصرية الأصيلة التي تتمثل في التاريخ بكل مراحلها والثقافة والعادات والتقاليد والفن والتراث، ويبدو لمن يستقرئ الأمر ويحلل التاريخ وأعنى تاريخ المصريين يجد أن الرغبة في الوحدة على أساس وطنى رغبة متأصلة لدى المصريين الذين يرغبون أن يحل السلام والاستقرار محل أي صراع.

فهل لنا أن نعظم عزيزي القارئ وعزيزي المسئول من مفهوم الوحدة هذا الذي يتجلى من أعماق المصريين، هل لنا أن نستخدم هذا المفهوم المعاش في محاربة الفكر الإرهابي، الدولة الآن تحارب الإرهابيين بصورة منقطعة النظير من خلال الشرطة والجيش، ولكن لا يحارب الفكر الإرهابي الوارد على مصر، وإن استخدمت صورة أدق فالدولة تحارب الإرهاب، هل لنا أن نحارب الفكر المتطرف للقضاء على الإرهاب، الإرهاب والتطرف متلازمان، وجهان لعملة واحدة..

فلتفتح كل المؤسسات المعنية بالفكر والتعليم سواء على المستوى الرسمى أو المجتمع باب الحوار وطرح مفاهيم الوحدة والاختلاف فالوحدة الحقيقية تقبل الاختلاف، الوحدة في التنوع، فالتنوع يعطى ثراء لأى مجتمع ويعطى قيمة حضارية وثقافية راقية، ومصر هكذا بل المصريين هكذا هم واحد ولكنهم مختلفين، واحد في الإنسانية وواحد في الوطن وواحد في اللغة ولكنهم مختلفين في بعض الثقافات والعقائد.

فليفتح الحوار الثقافى في سياق المساحات والهموم والأحلام المشتركة لتعظيم قيمة الوحدة بشكل حقيقى، فالمسيحيين والمسلمين في مصر أخوة أمام الله لديهم نفس الضغوط ونفس المشكلات والطموحات والأمل على المستوى العام؛ هذا ما يعنيه الحوار الثقافى وهو ما يؤكد أهمية قيمة التسامح في الأديان.

تشرفت بالحضور بقداس عيد الميلاد بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية وتابعت بدقة شديدة أثناء القداس والاحتفال من كان في الكاتدرائية من مسيحيون ومسلمون أثناء دخول قداسة البابا تواضروس الثانى وسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووجدت في أعين الحاضرين، وهنا أتحدث عن الشريحة الشعبية التي كانت حاضرة، فرحة عارمة لحظة تجلى الوحدة من قلوب المصريين بل تلقيت الرسائل الأكثر صدقا والأكثر وحدة من خلال هاتفى من أصدقائى وزملائى في المجتمع بمتابعتهم عبر وسائل الميديا افتتاح الكاتدرائية.

ويبدو بصورة أكيدة رغبة المصريين في الظهور بصورة حقيقة كبلد موحد على درجة كبيرة من القوة؛ ولذا أعتبر ما سبق وما ذكرته من أمثلة تاريخية واقعية، يعطى قوة لمفهوم الحوار ومفهوم الوحدة، وهنا لا أتحدث عن مفهوم الحوار بين العقائد لأنها بالطبع مختلفة، وإنما أتحدث عن القواسم المشتركة من القضايا الأخلاقية والمجتمعية والوطنية والسياسية والثقافية؛ مما يعطى بُعدًا تنمويًّا لمصر؛ وهذا ما يعطى لوحدة المصريين القوة والاستمرار، وهذا أعتبره دورًا شعبيًّا بل ليتحول إلى مقاومة شعبية للقضاء على الفكر المُتطرف، وأخيرا وليس بآخر على من يهمه أمر مصر أن يستثمر نموذج الوحدة بصورة صحيحة في بناء وتقدم مصرنا الحبيبة.
الجريدة الرسمية