رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم نافع.. وحقائق غائبة!


هو قمة الجحود والنكران ما حدث للراحل «إبراهيم نافع» الذي عرفته عن قرب إداريا محنكا وصحفيا قديرا ونقابيا معتبرا فتح منابر الأهرام وإصداراتها للرأي والرأي الآخر ولكافة أطياف الفكر والانتماء السياسي.. دافع بقوة عن حرية الصحافة وكرامة الصحفي، وخاض معركة شرسة ضد أعداء الحرية، وبلغ به التحدي ذروته حين قطع رحلة علاجه في الخارج، ليُناضل مع رفاقه من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين.. وكنت وقتها واحدا منهم وشريكا في نضالهم من موقعي يومها- كأمين عام لنقابة الصحفيين- ناضلنا جميعًا لإلغاء القانون المشئوم 93 لسنة 1995 المعروف بقانون اغتيال الصحافة، الذي أصدرته الحكومة بليل لإحكام السيطرة على الصحافة وتكميمها وتقييد حرية الرأي والتعبير..


وإلى أن يصل «نافع» إلى القاهرة، بادر مجلس النقابة برئاسة الراحل جلال عيسى وكيل أول النقابة، بالاجتماع وطلب المجلس منه أن يعترض على القانون في الكلمة التي سيُلقيها مُمثلا للنقابة في اليوم التالي في حضور الرئيس الأسبق حسني مبارك لاحتفال عيد الإعلاميين حين ذاك، وأن ينقل للرئيس رغبة الجماعة الصحفية بعدم التصديق على ذلك القانون.. وقد آثار رد (مبارك)؛ "إحنا مش بنبيع ترمس" غضب الصحفيين بشكل غير مسبوق..

فما كان من إبراهيم نافع إلا أن اتصل بي على الفور ليبلغني رغبته في قطع رحلته العلاجية والعودة إلى القاهرة ليرأس بنفسه الاجتماعات المفتوحة لمجلس النقابة وعمومية الصحفيين، التي كنت مسئولًا عن إعداد ملفاتها لحين إسقاط القانون إياه.. وقال لي بالحرف الواحد: "لن يمر هذا القانون".. وهو ما تحقق بالفعل، بفضل ما أَدرناه من حوار حضاري مع كل المسئولين بالحكومة الذين اتضح أنهم لم ينقلوا بأمانة الصورة الحقيقية للرئيس وقتها..

وهو ما دفع «نافع"» لطلب لقاء عاجل مع الرئيس الذي أجاب طلبه على الفور، وبالفعل التقى "مبارك" أعضاء مجلس نقابة الصحفيين الذين عبروا عن آرائهم واحدًا بعد الآخر، وأَبانوا له مدى خطورة هذا القانون على صورة مصر وسمعتها في الخارج وعلى مستقبل الصحافة وحرية الرأي والتعبير فما كان من الرئيس مبارك إلا أن نفى علمه بخطورة هذا القانون ونزل على رغبة الجماعة الصحفية، وأصدر تعليماته للنائب العام بوقف العمل بهذا القانون، وتشكيل لجنة على أعلى مستوى برئاسة الراحل الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى وقتها ومجموعة من كبار القانونيين والإعلاميين والصحفيين والشخصيات العامة لإعداد قانون جديد يتلافى عوار ذلك القانون المعيب!

ولم يتردد نافع رئيس الأهرام (الحكومية) أثناء النضال النقابي ضد القانون في فتح أبواب النقاش على مصاريعها داخل الأهرام وخارجها، وهو ما شهده القاصي والداني ووفر غطاءً دوليًا داعما لموقف النقابة ولحرية الرأي، وكان من ثمراته التراجع عن القانون إياه وإقرار قانون جديد هو القانون 96 لسنة 1996 الذي أصدره– ويا للمفارقة العجيبة- نفس مجلس الشعب الذي أقر القانون المشئوم!!

هكذا أدار نافع معركة الدفاع عن حرية الصحافة باقتدار وعبر بالمهنة وأبنائها إلى بر الأمان.. لم يداهن ولم يتخل عن "أمانته" النقابية.. انتصر ضمير "نافع" النقابي على مصالح "نافع" رئيس التحرير الحكومي.. الأنكى من ذلك أنه تلقى بيانًا شديد اللهجة من الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، كان قد أرسل به لمجلس النقابة فقام "نافع" بنشره على صفحات الأهرام بعنوان "سلطة شاخت" في تحدٍ سافر للسلطة، وانتصارِ حاسم للمهنة.. تصوروا لو لم يفعلها نافع ومجلس النقابة.. فماذا كان مصير المهنة وحرية الرأي والتعبير اليوم؟!

ومن أسف أن الذين نافقوا "نافع" في عز قوته وصولجانه نقيبا للصحفيين ورئيسا لإدارة وتحرير الأهرام هم أنفسهم الذين طعنوا فيه، وانقضوا عليه بعد مغادرته للمناصب.. وإذا كانت ذمته المالية في يد العدالة وعند الله.. وإذا كان المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته فلا أقل من رد الاعتبار لهذه الشخصية التي قد نختلف معها لكننا لا نملك إلا أن نحترمها لأسباب عديدة أهمها الجانب الإنساني الثري لهذا الرجل، ناهيك عن جدارته المهنية وتاريخه النقابي المشرف.
الجريدة الرسمية