رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل اعترفت أنك مريض اليوم؟


ما الذي يعرفه العالم العربي والإسلامي من منتجات الحداثة الأوروبية؟.. يشغلني كثيرا البحث عن إجابة لهذا السؤال وكأنه فكرة ميتافيزيقية غير موجودة أصلا؛ والإجابة وجدت شعاعا منها في كتاب الباحث المصري في ألمانيا حامد عبد الصمد، الذي يوصف بدقة فلسفة الغرب في بناء أمجاده على العلم والإنتاج والاستهلاك والتسليح والتنوير، ولكن نحن مع كل انبهارنا بمنتجات الحضارة الأوروبية، إلا أننا لا نؤمن إلا بالتسليح والاستهلاك، بمعنى أدق، الاستثمار في ثقافة الخوف «فاعل ومفعول»، والأكل والشرب، والإخلاص الهستيري في سبيلهما وما دون ذلك رجس من عمل الشيطان!


وأهم من يتخيل أن بلادنا في صراع بين الحداثة والتراث؛ الصراع ينشأ بالأساس من إثارة الأسئلة، وما نجيده هو التشنج الفكري الذي أودى بالبعض منا إلى الانفصام، والبعض الآخر إلى اليأس، ومجموعات أخرى شقت طريقها إلى العنف والتطرف، بسبب حالة الغربة التي نحياها، إما خلف تدين زائف، أو الالتفاف حول مجموعات تصرخ على طبول قضايا تافهة، وهذه ربما أهم علامات السقوط الذي نحياه في عالمنا المعاصر.

منذ الصغر وهم يعلمونا قراءة التاريخ بروح انتقامية، لا نرى إلا أنفسنا، ولا نواجه إلا مخاوفنا، وإذا فهمنا لا نعرف من سلامة المنهج إلا تعظيم ذواتنا، ولا نرى في الآخر إلا شيطانا يقف على ناصية الأفكار، بما يقودنا في النهاية إلى ردود أفعال لا تخرج عن أعاجيب من الغباء والجهل.

العالم العربي دائما على رأس المرشحين للسقوط، بحسب حامد عبد الصمد، إذا ما طبقنا أكواد نظرية الدارونية الاجتماعية، فالبشر والتصحر الفكري، والتزمت، والعنف في زيادة مضطردة، وبالمقابل هناك تطرف ديني، وثقافة هشة تقترب من الانحطاط في فهم معنى التسامح وقبول الآخر.

نقطة الضوء الوحيدة التي قد تجعل لدينا بصيصا من أمل، مفصلية أشار إليها عبد الصمد، وهو ينقل دراسة عن الباحثين الفرنسيين يوسف كورباج وإيمانويل تود، توقعا فيها ثورة تغيير فكرية، يشهدها العالم الإسلامي والعربي، فحسب الإحصائيات لآخر عشرين عاما، معدلات الولادة انخفضت بشكل ملحوظ في الدول الإسلامية بالتأكيد باختلاف وتباين مستوى التعليم والثقافة في كل دولة.

وزادت نسبة التعليم بين البنات والأولاد على السواء، والتعليم بالطبع يجلب معه دائما ظاهرتين متوازيتين، روح التطور والرغبة في التغيير من ناحية، والاضطراب النفسي وعدم الرضا من ناحية أخرى، بل إن التعليم هو المسئول عن شيوع التطرف بين شباب المسلمين، لأن الوعي بالقضايا الاجتماعية يزيد الشباب تطرفا، ولكنها ظاهرة مؤقتة ستنتهي قريبا مع زيادة الوعي وإشاعة النقد، وزيادة التساؤلات بين الأجيال الجديدة.

أخيرا، ليس الهدف من مثل هذه الكتابات التشاؤمية، ذم الواقع والمجتمع، بل هي مجرد محاولات للاشتباك مع كيان مريض، من وجهة نظر نقدية، فالمريض لا يمكن شفاؤه إلا عندما يتقبل الحقيقة ومواجهة الذات وإدراك أين يكمن المرض، بل الشفاء لكل مريض يتلخص في الاعتراف بأنه مريض أصلا!
Advertisements
الجريدة الرسمية