رئيس التحرير
عصام كامل

جنود مجهولة.. كيف ساهم 100 غواص متطوع في العثور على جثة «غريق ستانلي»

فيتو

فوق شاطئ ستانلى وعند ظهيرة اليوم السادس لغياب محمد حسن ماجيسكو، بين غياهب البحر وأمواجه بعد اصطدام سيارة به وباثنين من أصدقائه يوم الثلاث الماضي ، كان الترقب هو سيد الموقف بين كل المتواجدين ، أما الحزن فقد ثبت مكانه في قلوب الأسرة المكلومة والأصدقاء الذين لم يستوعبوا بعد فقدانهم لصديقهم بهذه الطريقة الدرامية، الجميع ينتظر في جزع أي أخبار جديدة عن فقيدهم، الأم تتمنى أن يُنهى الله تلك الآلام التي لم تبارحها منذ أن تلقت خبر اختفائه، والأب يتمتم بأدعية لعلها تكون المنجية لابنه من ظلمات البحر، ووسط هذا المشهد الذي لا يخلو من جزع، ثمة جملة مقتضبة قالها أحد الغواصين المتطوعين المشاركين في البحث عن محمد كانت كفيلة بأن تغير المشهد وأن تبدل المشاعر وأن تزيد من وتيرة التمتمات والأدعية.. جملة "لقينا جثة محمد".


كانت هذه الجملة الفارقة بداية النهاية لقصة اختفاء محمد، ولم يكن لهذه النهاية وجود إلا من خلال أبطال عدة ساهموا في الوصول إلى جثمانه، على رأسهم عدد من الغواصين الذين شاركوا في ملحمة تطوعية للبحث عن محمد، ملحمة يحكى عنها "أ.ع" الغواص السكندري، أحد أعضاء فريق العمل التطوعى الذي تم تشكيله من غواصى مصر للبحث عن جثمان ماجيسكو، والذي رفض ذكر اسمه وفضل أن يكتمل ما قدمه من خير دون أن ينال أي شهرة، ويقول "حصلت الحادثة في اليوم اللى قبل بداية أشد نوة في السنة الجديدة دى.. ومن وقتها ومحاولات الغواصين ما بتخلصش.. الناس اللى موجودة في المنطقة هناك من أصدقائى كانت بتحاول طول الليل من بعد وقوع محمد في البحر وكانوا في عمليات بحث مستمرة بس الجو كان صعبا".

مع بدء النوة ازداد الأمر صعوبة "بدأ الجو يبقي صعب وبقى مستحيل الغطس فيه تمامًا والرؤية كمان كانت منعدمة"، الأجواء كانت غير مناسبة تمامًا لأى محاولات غطس لانتشال الجثمان والمنطقة أيضًا تساعد في استحالة الإقدام على أي محاولة "المنطقة ضحلة وأعماقها بتوصل إلى 40 مترا في بعض المناطق يعني مفيش عمق خالص ومليانة صخور حادة.. والتيارات فيها شديدة وبتصعب أي مهمة للغطس"، كل هذه الظروف عطلت كثيرًا محاولات البحث عن محمد الذي تقاذفت الأمواج جسده بينما فاضت روحه إلى بارئها.

لم يترك الكثير من الراغبين في البحث عن محمد الشهير بـ "ماجيسكو" مكان الحادث منذ وقوعه، ولم يكن أمام مجموعة الغواصين المحترفين الراغبين في البحث سوى انتظار أول يوم يهدأ فيه البحر لتحقيق رغبتهم، "ناس كتير كان صعبان عليهم أهل محمد فحاولوا يغطسوا وقت النوة بس طبعا كان صعب وخطر حتى إن واحدا من المشاركين رجله اتكسرت وهو بيدور عليه.. أنا وزمايلي من غواصين إسكندرية المتطوعين كان نفسنا نريح أسرة محمد بس ماكانش ينفع ننزل في الوقت ده لأن مش صح إن يبقي في خسائر بشرية تانية وده كان وارد".

كان يوم الأحد هو اليوم الأول الذي يمكن فيه للغواصين البدء في عملية البحث، فقد هدأ البحر الثائر قليلًا، بالرغم من التيارات كانت لا تزال شديدة، والمياه "غامقة" وبالتالى لم تكن الرؤية واضحة، ولكن وبالرغم من كل هذا قرر الغواصون البدء، "بدأنا من 8 الصبح وكان عددنا تقريبًا يتعدى الـ 100 غطاس.. منطقة الحادثة في ستانلى كانت منطقة منتصف وكان التركيز أكتر ناحية الشرق ناحية جليم وسان ستيفانو ونادي المهندسين في مجموعة تانية راحت ناحية الغرب في اتجاه الشاطبي.. كنا حريصين إننا نغطى كل المناطق اللى كان متوقع إنه يوصل ليها الجثمان وكمان كنا حريصين إن كل اللى يشارك يكون معاه بطاقته وكارنيه وشهادات عشان ما يحصلش أي مشكلات أو إصابات".

حتى صباح أمس الإثنين لم تنجح كل محاولات الغواصين في التوصل إلى جثمان الفقيد، ساعات طويلة من البحث شارك فيها غواصين من الإسكندرية ومطروح ودهب والقاهرة، في ملحمة تطوعية تُثبت أن "الخير" يجري في دماء وعروق المصريين، ولكن نتيجتها كانت سلبية في ظل شائعات ترددت تفيد بالعثور على الجثمان ولم تكن جميعها إلا أكاذيب شتت جهود الغواصين.

أعاد الغواصون تنظيم جهودهم من أجل "غطسة" ثانية للبحث عن محمد وسط دعاء والدته ودموع أبيه، شارك منهم من شارك بالغطس وآخرون تطوعوا بالمعدات، والهدف واحد، مسح البحر بحثا عن جثمان ماجيسكو، ويستكمل الغواص السكندري المشارك في عملية البحث حكايته "في منتصف نهار الإثنين المياه كانت فاتحة أكتر والفرصة كانت أنسب إننا نلاقيه لأن البحر كان أهدأ والرؤية كانت أحسن".

كان الكابتن إيهاب الملحى، أدمن جروب غواصي مصر والمنسق العام لفريق الغوص التطوعى للبحث عن محمد، على رأس الموجودين، أمس عند سان جيوفانى عند أول كوبرى ستانلي، يدون أسماء كل من يريد المشاركة في غطسة اليوم بحثًا عن ماجيسكو، ليكون على علم بكل من هم أسفل سطح الماء لنجدته إذا أصابه مكروهًا، فقد كان هو المنسق الأول لكل المتطوعين، وكان هو المسئول عن التنسيق مع القوات البحرية، نزل من الفريق الذي يديره ثلاثة تحت الماء، وكان يُعد آخرين للنزول حينما صعد زملاؤه بعد 15 دقيقة من غوصهم في الماء ليبشروه "لقينا جثة محمد".

اتجهت الأنظار إلى المياه وتعلقت الآمال على فريق الغواصين المتطوعين الذين حاولوا على مدى ساعتين كاملتين أو أكثر استخراج جثمان فقيد الشباب، وعن هذه اللحظات يحكى الكابتن إيهاب " الجثة كانت محشورة في الصخر ورجليه بس اللى كانت باينة"، فقد وجده الغواصون قريبًا من المنطقة التي وقع فيها، في منطقة صخرية عند حاجز أمواج بين الأحجار، وكان في عمق احتاج من الغواصين معدات والكثير من الخبرة ووقت أكثر من ساعتين للوصول إليه، "أول ما طلع حطينا الجثمان في كيس عشان ماحدش يقعد يتفرج في وجود قوات الإنقاذ".

كان رد فعل والدة الفقيد حينما رأت جثمان ابنها هو الإنكار فاليوم هو السادس منذ أن ابتلعت موجات البحر فلذة كبدها فكانت الجثة "بايشة" وبلا ملامح وبلا ملابس، ويحكى العقيد إيهاب عاطف، أحد المشاركين في عملية الانتشال، عن هذه اللحظة من خلال فيديو اشترك في تقديمه بمجرد خروج الجثمان: "كان في خصلتين من شعره طوال لغاية الكتف.. وقصدنا إننا ما نلمسهمش عشان والدته تتعرف عليه منهم".

أما الكابتن إيهاب الملحى فيؤكد "أنا كغطاس ودى منطقتى أجزم إن ده جثمان محمد بإذن الله لأنه توفى عند كوبري ستانلي والتيار كان غربي يوم الحادثة ولقيناه فعلا في نفس المكان ومفيش في إسكندرية كلها بلاغ بحالة غرق غيره.. عشان كده عندي يقين بنسبة 99 % إنه هو"، ويستكمل "الجثة راحت مشرحة كوم الدكة وهيتعمل تحليل DNA ومنتظرين النتيجة وأنا قاعد منتظر ومش همشى لحد ما أتأكد.. أنا وعدت والدته لو ده مش محمد أنا مستعد أنا والغواصين نكمل غطس إن شالله لشهر كمان لحد ما نلاقيه".

وبالرغم من التراجيديا التي تُحيط بالحادث، إلا أن الغواصين يجزمون أن عملية البحث كانت "حالة" فريدة لم يعيشوها من قبل، فهذه الرغبة في المشاركة التطوعية من قبل كل الغواصين لانتشال جثمان محمد بدون أي غرض كان أمرًا جديدًا عليهم، وعن هذه الحالة يحكى أحد الغواصين المشاركين في عملية الانتشال: "الكل كان عايز يساعد ويشارك رغم إن كل الظروف كانت مش مناسبة.. اتفاجئنا بعدد كبير من الغطاسين من كل حتة وكان في اندفاع حتى من الشباب اللى ما عندهمش أي خبرة بالغطس وكل هدفهم الخير"، وعن سر هذه الحالة أكد "السوشيال ميديا عليها عامل كبير وكمان وجود أهله وكلام والدته كان لازم يحرك الجبل والحادثة نفسها وطريقة موت ماجيسكو كانت سببا كبيرا لأنه مات بدون أي ذنب وبسبب أخطاء الآخرين".

الجريدة الرسمية